السؤال :
مَا حُكْمُ الرَّجُلِ الذي يَسْتَدِينُ ثُمَّ يُمَاطِلُ في أَدَاءِ الدَّيْنِ، وَيَغْضَبُ إِنْ طُولِبَ، وَإِذَا جَاءَ لِسَدَادِ الدَّيْنِ أَحْرَجَ الدَّائِنَ في إِسْقَاطِ جُزْءٍ مِنْ حَقِّهِ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 11594
 2021-11-26

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَأَدَاءُ الدَّيْنِ وَاجِبٌ، وَفَرْضٌ عَلَى المَدِينِ بِالإِجْمَاعِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ﴾. وَالدَّيْنُ نَوْعٌ مِنَ الأَمَانَةِ.

فَإِذَا حَلَّ الأَجَلُ المُتَّفَقُ عَلَيْهِ وَجَبَ عَلَى المَدِينِ سَدَادُ الدَّيْنِ إِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الوَفَاءِ، وَإلَّا كَانَ ظَالِمًا، روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ، فَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ». وَمَعْنَاهُ إِذَا أُحيْلَ بِالدَّيْنِ الَّذي لَهُ عَلى مُوسِرٍ فَلْيَحْتَلْ.

فَالامْتِنَاعُ عَنْ سَدَادِ الدَّيْنِ عِنْدَ حُلُولِ أَجَلِهِ، وَالمَدِينُ قَادِرٌ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ حَرَامٌ شَرْعًا، وَكَبِيرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ، وَيَكُونُ المَدِينُ في هَذِهِ الحَالِ آثِمًا وَظَالِمًا، وَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ بِنَصِّ القُرْآنِ العَظِيمِ: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾.

وروى الإمام البخاري قَالَ: وَيُذْكَرُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَيُّ الوَاجِدِ (مَطْلُ القَادِرِ عَلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ) يُحِلُّ (يُبِيحُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ) عُقُوبَتَهُ وَعِرْضَهُ».

يَعْنِي: تَأْخِيرُ سَدَادِ الدَّيْنِ يُبِيحُ للدَّائِنِ أَنْ يَذْكُرَ المَدِينَ بَيْنَ النَّاسِ بِسُوءِ المُعَامَلَةِ. هَذَا أولًا.

ثانيًا: هُنَاكَ قَاعِدَةٌ تَقُولُ: مَا أُخِذَ بِسَيْفِ الحَيَاءِ فَهُوَ حَرَامٌ، هَذِهِ القَاعِدَةُ تَسْتَنِدُ إلى الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي حُرَّةَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ عَمِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّهُ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ».

وَفي رِوَايَةٍ للإمام أحمد عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْخُذَ عَصَا أَخِيهِ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِهِ» وَذَلِكَ لِشِدَّةِ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ.

وروى الشيخان عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ ثَمَرِ التَّمْرِ حَتَّى يَزْهُوَ.

فَقُلْنَا لِأَنَسٍ: مَا زَهْوُهَا؟

قَالَ: تَحْمَرُّ وَتَصْفَرُّ، أَرَأَيْتَ إِنْ مَنَعَ اللهَ الثَّمَرَةَ بِمَ تَسْتَحِلُّ مَالَ أَخِيكَ؟

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَيَحْرُمُ عَلَى المُسْتَدِينِ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْ سَدَادِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، فَإِذَا تَأَخَّرَ صَارَ ظَالِمًا، وَالظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يوْمَ القِيَامَةِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَذَكَّرَ الحَدِيثَ الشَّرِيفَ الذي رواه الشيخان عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ».

لِيَضَعْ نَفْسَهُ مَكَانَ الدَّائِنِ، هَلْ يُرْضِيهِ تَأْخِيرُ سَدَادِ الدَّيْنِ، وَخَاصَّةً في مِثْلِ هَذِهِ الظُّرُوفِ؟

كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُلِحَّ عَلَى الدَّائِنِ عِنْدَ سَدَادِ الدَّيْنِ أَنْ يَضَعَ عَنْهُ شَيْئًا مِنَ الدَّيْنِ، لِأَنَّهُ أَخْذُ مَالِ الغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَهُوَ حَرَامٌ شَرْعًا. هذا، والله تعالى أعلم.