السؤال :
لَقَدِ ابْتُلِيتُ بِأُمِّ زَوْجِي، كُلَّمَا ذَهَبَتْ إلى مُجْتَمَعٍ فِيهِ النِّسَاءُ، عَادَتْ وَجَلَسَتْ مَعَ أَوْلَادِهَا وَزَوْجِهَا وَبَنَاتِهَا، تَصِفُ النِّسْوَةَ بِأَشْكَالِهِنَّ وَثِيَابِهِنَّ، وَتَقَعُ في غِيبَتِهِنَّ، فَمَا حُكْمُ الشَّرْعِ فِيهَا؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 11010
 2021-03-04

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ امْرَأَةٍ سَوَّلَتْ لَهَا نَفْسُهَا أَنْ تَصِفَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً عَنْ زَوْجِهَا وَأَوْلادِهَا أَنْ تَتَذَكَّرَ مَا يَلِي:

أولًا: رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ النِّسَاءَ بِالحِجَابِ، وَعَدَمِ إِبْدَاءِ الزِّينَةِ، فَقَالَ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ﴾. وَقَالَ تعالى: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.

بَلْ شَدَّدَ الإِسْلَامُ عَلَى المَرْأَةِ أَنْ تَخْرُجَ أَمَامَ الرِّجَالِ الأَجَانِبِ بِثِيَابٍ ضَيِّقَةٍ أَو شَفَّافَةٍ بِحَيْثُ يَصِفُ جِسْمَهَا، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ المَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «سَيَكُونُ فِي آخِرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ رِجَالٌ يَرْكَبُونَ عَلَى الْمَيَاثِرِ حَتَّى يَأْتُوا أَبْوَابَ مَسَاجِدِهِمْ، نِسَاؤُهُمْ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ عَلَى رُؤُوسِهِمْ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْعِجَافِ، الْعَنُوهُنَّ فَإِنَّهُنَّ مَلْعُونَاتٌ، لَوْ كَانَتْ وَرَاءَكُمْ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ لَخَدَمَهُمْ كَمَا خَدَمَكُمْ نِسَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ».

فَقُلْتُ لِأَبِي: وَمَا الْمَيَاثِرُ؟

قَالَ: سُرُوجًا عِظَامًا. رواه الحاكم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

فَالإِسْلَامُ لَمْ يَجْعَلْ سَبِيلًا لِمَعْرِفَةِ المَرْأَةِ الأَجْنَبِيَّةِ، وَذَلِكَ حِرْصًا عَلَيْهَا مِنْ أَصْحَابِ القُلُوبِ المَرِيضَةِ ﴿فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾. وَحِرْصًا مِنْهُ عَلَى سَلَامَةِ المُجْتَمَعِ مِنَ الرَّذِيلَةِ وَالفَاحِشَةِ.

ثانيًا: أَمَرَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ الرِّجَالَ بِغَضِّ البَصَرِ، فَقَالَ: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ، فَزِنَا العَيْنِ النَّظَرُ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَلِيُّ، لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى، وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ» رواه الترمذي والحاكم عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ الْإِيَادِيِّ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ.

ثالثًا: روى الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُخَنَّثٌ فَكَانُوا يَعُدُّونَهُ مِنْ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ.

قَالَ: فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، وَهُوَ يَنْعَتُ امْرَأَةً، قَالَ: إِذَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَتْ بِأَرْبَعٍ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ أَدْبَرَتْ بِثَمَانٍ.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أَرَى هَذَا يَعْرِفُ مَا هَاهُنَا لَا يَدْخُلَنَّ عَلَيْكُنَّ».

قَالَتْ: فَحَجَبُوهُ.

وروى الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تُبَاشِرُ المَرْأَةُ المَرْأَةَ، فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا».

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

لِتَسْمَعْ كُلُّ امْرَأَةٍ سَوَّلَتْ لَهَا نَفْسُهَا أَنْ تَصِفَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً أَمَامَ زَوْجِهَا وَأَوْلَادِهَا: إِنَّ الذي تَفْعَلِينَهُ كَبِيرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ؛ الإِسْلَامُ أَوْجَبَ الحِجَابَ عَلَى المَرْأَةِ حَتَّى لَا يَنْظُرَ إِلَيْهَا الرِّجَالُ، وَأَوْجَبَ عَلَى الرِّجَالِ غَضَّ البَصَرِ خَشْيَةَ الفِتْنَةِ، فَمَاذَا تَفْعَلِينَ أَنْتِ يَا أَمَةَ اللهِ؟

هَلْ تَعْلَمِينَ أَنَّ وَصْفَ المَرْأَةِ الأَجْنَبِيَّةِ أَمَامَ الرِّجَالِ قَدْ يَجْعَلُ السَّامِعَ يَتَخَيَّلُ تِلْكَ المَرْأَةَ بِصِفَاتِهَا التي نُقِلَتْ إِلَيْهِ، وَرُبَّمَا تَتَشَكَّلُ صُورَتُهَا في قَلْبِهِ، وَتَنْطَبِعُ في مِرْآةِ نَفْسِهِ، وَعِنْدَهَا يُوحِي الشَّيْطَانُ لَهُ مَا يُوحِي؟

هَلْ تَعْلَمِينَ أَنَّ وَصْفَكِ للمَرْأَةِ الأَجْنَبِيَّةِ أَمَامَ الرِّجَالِ، قَدْ يُؤَدِّي لِطَلَاقِ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ، وَيَبْحَثُ عَنْ تِلْكَ المَرْأَةِ لِيَتَزَوَّجَهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً يُفْسِدُ عَلَيْهَا عَلَاقَتَهَا مَعَ زَوْجِهَا حَتَّى يُطَلِّقَهَا ثُمَّ يَتَزَوَّجَهَا هُوَ؟

صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْكَ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، يَا مُنْقِذَ العِبَادِ مِنَ الرَّدَى، عِنْدَمَا قُلْتَ لِنِسَائِنَا: «لاَ تُبَاشِرُ المَرْأَةُ المَرْأَةَ، فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا». هَذَا أولًا.

ثانيًا: لِتَسْمَعِ المَرْأَةُ المُغْتَابَةُ للنِّسَاءِ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾.

وَلْتَسْمَعْ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعِ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ» رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَلْتَسْمَعْ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ» رواه الإمام مسلم عَنْ حُذيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

لِأَنَّ النَّمَّامَ يُفْسِدُ في سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ مَا لَا يُفْسِدُهُ السَّحَرَةُ، وَالنَّمَّامُ مُعَذَّبٌ في قَبْرِهِ، بَعْدَ العَذَابِ النَّفْسِيِّ في الدُّنْيَا، أَمَّا العَذَابُ في الآخِرَةِ إِنْ لَمْ يَتُبِ العَبْدُ مِنَ النَّمِيمَةِ فَحَدِّثْ بِدُونِ حَرَجٍ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِغَضِّ البَصَرِ، وَحِفْظِ اللِّسَانِ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.