السؤال :
امْرَأَةٌ مُتَزَوِّجَةٌ، ارْتَكَبَتْ جَرِيمَةَ الزِّنَا، وَتُرِيدُ أَنْ تَتُوبَ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَهَلْ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَطْلُبَ الطَّلَاقَ مِنْ زَوْجِهَا، وَتَتَزَوَّجَ مِنَ الزَّانِي بِهَا، لَعَلَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقْبَلُ تَوْبَتَهَا؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 12474
 2023-03-25

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَمِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ الزِّنَا كَبِيرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ، وَلَا يُكَفِّرُ هَذِهِ الكَبِيرَةَ إِلَّا التَّوْبَةُ المُسْتَجْمِعَةُ لِشُرُوطِهَا في قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَابًا﴾.

عَلَيْهَا بِالتَّوْبَةِ الصَّادِقَةِ، وَالإِيمَانِ بِأَنَّهَا ارْتَكَبَتْ كَبِيرَةً مِنَ الكَبَائِرِ، وَأَنْ تُكْثِرَ مِنَ العَمَلِ الصَّالِحِ، وَمِنْ جُمْلَتِهِ الصَّدَقَةُ، مَعَ غَضِّ البَصَرِ، وَقَطْعِ العَلَاقَاتِ مَعَ الرِّجَالِ الأَجَانِبِ مَعَ كَثْرَةِ الاسْتِغْفَارِ.

وَزِنَا المَرْأَةِ المُحْصَنَةِ أَعْظَمُ وَأَشَدُّ مِنْ غَيْرِهَا، وَمَعَ ذَلِكَ فَاللهُ تَبَارَكَ وتعالى يَقْبَلُ تَوْبَتَهَا إِذَا تَابَتْ وَاسْتَقَامَتْ، قَالَ تَبَارَكَ تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَعَلَى هَذِهِ المَرْأَةِ أَنْ تُحَقِّقَ شُرُوطَ التَّوْبَةِ، وَعَلَيْهَا أَنْ تَسْتَتِرَ بِسِتْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنْ لَا تَفْضَحَ نَفْسَهَا، وَلَا تُحَدِّثَ زَوْجَهَا أَو أَحَدًا غَيْرَهُ بِمَا ارْتَكَبَتْ مِنَ الفَاحِشَةِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اجْتَنِبُوا هَذِهِ الْقَاذُورَةَ الَّتِي نَهَى اللهُ عَنْهَا، فَمَنْ أَلَمَّ فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللهِ، وَلْيُتُبْ إِلَى اللهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ» رَوَاهُ الحَاكِمُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا المُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ المُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ، عَمِلْتُ البَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا أَنْ تَسْأَلَ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ حَتَّى تَتَزَوَّجَ مِمَّنْ زَنَى بِها، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ» رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

فَلْتَبْقَ هَذِهِ المَرْأَةُ إِنْ تَابَتْ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ تَوْبَةً صَادِقَةً نَصُوحًا مَعَ زَوْجِهَا، وَلْتَقْطَعْ صِلَتَهَا مَعَ ذَلِكَ الرَّجُلِ الذي زَنَى بِهَا، وَمَعَ غَيْرِهِ مِنَ الرَّجَالِ الأَجَانِبِ، وَلْتَغُضَّ مِنْ بَصَرِهَا، وَلْتَبْتَعِدْ عَنْ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ التي أَفْسَدَتِ العِبَادَ وَالبِلَادَ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَسْتُرَ أَعْرَاضَنَا، وَأَنْ يُثَبِّتَنَا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.