السؤال :
كيف نوفق بين قوله تعالى: {قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِين} وقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يتمنَّينَّ أحدكم الموت)؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 1274
 2008-07-26

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَالآيَةُ تَتَحَدَّثُ عَنْ أَهْلِ الكِتَابِ مِنْ يَهُودَ وَنَصَارَى، حَيْثُ كَانَ كُلُّ فَرِيقٍ يَقُولُ: ﴿لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى﴾. فَأَمَرَ اللهُ تعالى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: ﴿قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾. أَيْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ في دَعْوَى أَنَّ الجَنَّةَ عِنْدَ اللهِ خَالِصَةٌ لَكُمْ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا المَوْتَ، لِأَنَّ مَنْ أَيْقَنَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا اشْتَاقَ إِلَيْهَا، وَأَحَبَّ التَّخَلُّصَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ ذَاتِ الأَكْدَارِ.

وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ تَمَنِّي المَوْتِ فَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إِذَا كَانَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، مِنْ فَقْرٍ أَو مَرَضٍ أَو نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مَشَاقِّ الدُّنْيَا، كَمَا روى الشيخان عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلًا، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيْرًا لِي».

وَالحِكْمَةُ في النَّهْيِ عَنْ تَمَنِّي المَوْتِ عِنْدَ إِصَابَةِ الضُّرِّ: مَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّبَرُّمِ مِنْ قَضَاءِ اللهِ تعالى، وَمُرَاغَمَةِ ـ مُغَاضَبَةِ ـ قَدَرِهِ المَحْتُومِ.

أَمَّا تَمَنِّي المَوْتِ لِخَوْفِ فِتْنَةٍ في الدِّينِ مَثَلًا فَيَجُوزُ، وَقَدْ جَاءَ هَذَا صَرِيحًا في حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةً فِي النَّاسِ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ» رواه الإمام أحمد. هذا، والله تعالى أعلم.