السؤال :
امْرَأَةٌ مُتَزَوِّجَةٌ مِنْ رَجُلٍ سَيِّئِ الأَخْلَاقِ، يُعَامِلُهَا دَوْمًا بِالقَهْرِ وَالظُّلْمِ، مَعَ هَضْمِ الحُقُوقِ، وَمَعَ حُبِّهَا لَهُ إِلَّا أَنَّهُ لَا يُبَالِي بِزَوْجَتِهِ، فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ تَدْعُوَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ، لَعَلَّ الدُّعَاءَ يَشْفِي غَلِيلَهَا؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 12104
 2022-08-11

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَمَا أَجْمَلَ العَبْدَ الذي يَلُوذُ بِالفِرَارِ إلى اللهِ تعالى، امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللهِ﴾؟!

مَا أَجْمَلَ العَبْدَ عِنْدَمَا يَسْأَلُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَأْجُرَهُ عَلَى مُصِيبَتِهِ، كَمَا عَلَّمَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللهُ: ﴿إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَخْلَفَ اللهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا»؟!

مَا أَجْمَلَ العَبْدَ الذي يَكُونُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءَ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»؟! رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ حُذَيْفَةَ، عَنْ عَمَّتِهِ فَاطِمَةَ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَصَبْرُ هَذِهِ المَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا خَيْرٌ لَهَا في دِينِهَا، وَخَيْرٌ لَهَا مِنْ طَلَاقِهَا، وَعِوَضًا مِنَ الدُّعَاءِ عَلَيْهِ لِيَكُنِ الدُّعَاءُ لَهُ، لِأَنَّ دُعَاءَ العَبْدِ المَظْلُومِ مُسْتَجَابٌ، رَوَى الشَّيْخَانِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى اليَمَنِ، فَقَالَ: «اتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ».

فَلْيَكُنِ الدُّعَاءُ في صَلَاحِهِ، فَهُوَ خَيْرٌ مِنَ الدُّعَاءِ عَلَيْهِ.

وَمَا هِيَ فِيهِ خَيْرٌ في حَقِّهَا عَلَى الحَقِيقَةِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَلَكِنْ إِنْ عَجَزَتْ عَنْ ذَلِكَ، وَأَرَادَتْ أَنْ تَدْعُوَ عَلَيْهِ فَلَا حَرَجَ، وَلَكِنْ لِتَطْلُبِ التَّسْرِيحَ بِإِحْسَانٍ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ السَّيِّئِ إِذَا كَانَتْ تَصْبِرُ عَلَى فِرَاقِهِ، فَهَذَا خَيْرٌ لَهَا مِنَ  الدُّعَاءِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ دَعْوَتَهَا قَدْ تُصَادِفُ سَاعَةَ إِجَابَةٍ فَتَكُونُ هِيَ أَوَّلَ المُتَحَسِّرِينَ. هذا، والله تعالى أعلم.