السؤال :
سَمِعْتُ حَدِيثًا شَرِيفًا يَقُولُ فِيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا خَلَصَ المُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا، أُذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الجَنَّةِ». فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا خَلَصَ المُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ»؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 12333
 2022-12-25

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَهَذَا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ فِيهِ تَحْذِيرٌ شَدِيدٌ مِنَ ارْتِكَابِ المَظَالِمِ وَالتَّعَدِّي عَلَى حُقُوقِ الآخَرِينَ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ بَدَنِيَّةً أَمْ مَالِيَّةً أَمْ أَخْلَاقِيَّةً، لِأَنَّ المَظْلُومَ يَوْمَ القِيَامَةِ سَيَأْخُذُ مِنْ حَسَنَاتِ ظَالِمِهِ، حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ عِنْدَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ خَطَايَا المَظْلُومِ وَطُرِحَتْ عَلَى الظَّالِمِ، ثُمَّ طُرِحَ الظَّالِمُ في نَارِ جَهَنَّمَ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى، كَمَا وَرَدَ في بَعْضِ الأَحَادِيثِ الشَّرِيفَةِ.

وَهَذَا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ كَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ القِصَاصَ في الحُقُوقِ، وَمُقَاضَاةَ النَّاسِ فِيَمَا بَيْنَهُمْ تَكُونُ بَعْدَ المُرُورِ عَلَى الصِّرَاطِ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَإِذَا عَبَرَ المُؤْمِنُونَ عَامَّةً عَلَى الصِّرَاطِ أُوقِفَ مِنْهُمْ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ مَظَالِمُ للمُؤْمِنِينَ بِمَكَانٍ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَمُنِعُوا مِنْ دُخُولِ الجَنَّةِ حَتَّى يُقْضَى للمَظْلُومِ مِنْ ظَالِمِهِ، فَيُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِ الظَّالِمِ وَيُعْطَى للمَظْلُومِ، حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَطُهِّرُوا مِنْ حُقُوقِ العِبَادِ أُذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الجَنَّةِ.

أَمَّا مَنْ لَا مَظْلَمَةَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ فَهُوَ بِإِذْنِ اللهِ تعالى يَدْخُلُ الجَنَّةَ بِلَا حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ، لِأَنَّ حُقُوقَ اللهِ تعالى مَبْنِيَّةٌ عَلَى المُسَامَحَةِ، أَمَّا حُقُوقُ العِبَادِ فَمَبْنِيَّةٌ عَلَى المُشَاحَّةِ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ لَا يَجْعَلَ لِأَحَدٍ تَبِعَةً عَلَيْنَا، وَأَنْ يُدْخِلَنَا الجَنَّةَ مِنْ غَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.