طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: لَا تُنَصِّبْ نَفْسَكَ وَصِيَّاً عَلَى الفُقَرَاءِ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُعْطِيَهُمْ وَتَمْنَحَهُمْ مِنْ رِزْقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، لِأَنَّ الوِصَايَةَ تَكُونُ عَلَى قَاصِرٍ أَو سَفِيهٍ، وَإِنَّ الصَّدَقَةَ أَو الأُضْحِيَةَ التي تُوصِلُهَا إلى الفُقَرَاءِ إِنْ كَانُوا قُصَّرَاً أَو سُفَهَاءَ فَلَهُمْ أَوْلِيَاءُ يُدِيرُونَ شُؤُونَهُمْ، فَهُمْ أَعْرَفُ في مَصْلَحَتِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُنَصِّبَ نَفْسَكَ وَصِيَّاً عَلَيْهِمْ.
ثانياً: لَا حَاجَةَ لِتَعْلِيبِ لُحُومِ الأَضَاحِي، لِأَنَّ الحِكْمَةَ مِنْهَا هُوَ إِغْنَاءُ النَّفْسِ وَالأَوْلَادِ وَالفُقَرَاءِ، وَبَثُّ السُّرُورِ في الهَدِيَّةِ مِنْهَا للجِيرَانِ وَالأَصْدِقَاءِ في أَيَّامِ العِيدِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ تُصْرَفَ في البَلَدِ وفي وَقْتِهَا المُحَدَّدِ، لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ في البَلَدِ حَاجَةٌ إِلَيْهَا فَهُوَ أَدْعَى أَنْ لَا تُصْرَفَ عَنْهُمْ، لِأَنَّ عُيُونَهُمْ تَتَطَلَّعُ إِلَيْهَا.
وَإِذَا أَرَادَ المُسْلِمُ أَنْ يُضَحِّيَ بِأَكْثَرَ مِمَّا هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَأَكْثَرَ مِنَ اللَّازِمِ لِأَهْلِ البَلَدِ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، بَلْ هُوَ أَعْظَمُ لِأَجْرِهِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ». رواه الترمذي.
فَإِذَا ضَحَّى زِيَادَةً فَإِنَّهُ عِنْدَهَا لَا مَانِعَ مِنْ تَعْلِيبِ الزَّائِدِ عَنْ حَاجَةِ النَّاسِ مِنْ هَذِهِ الأَضَاحِيِّ، لِأَجْلِ ادِّخَارِهَا إلى وَقْتِ الحَاجَةِ، لِمَا جَاءَ في الصَّحِيحَيْنِ عَنِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ ـ يَعْنِي عَنِ ادِّخَارِ لُحُومِ الأَضَاحِيِّ ـ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ ـ يَعْنِي ضُعَفَاءَ الأَعْرَابِ الذينَ جَاؤُوا إلى المَدِينَةِ ـ فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا».
فَدَلَّ الحَدِيثُ الشَّرِيفُ عَلَى جَوَازِ ادِّخَارِ لُحُومِ الأَضَاحِيِّ بِأَيِّ وَسِيلَةٍ كَانَ ادِّخَارُهَا، وَإِذَا جَازَ ادِّخَارُهَا جَازَ تَوْزِيعُهَا عَلَى المَدَى الطَّوِيلِ.
وَإِنَّنَا نَرَى في هَذَا الزَّمَنِ ادِّخَارَ جُزْءٍ يَسِيرٍ مِنْهَا وَتَوْزِيعَ البَاقِي أَوْلَى، وَخَاصَّةً عَلَى الفُقَرَاءِ، كُلٌّ في بَلْدَتِهِ، لِأَنَّ دَائِرَةَ الفَقْرِ تَزْدَادُ اتِّسَاعَاً، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |