طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد أخرج الإمام الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ كَانَتْ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلا مَا قُدِّرَ لَهُ). وفي رواية (فلا يمسي إلا فقيراً ولا يصبح إلا فقيراً).
ومعنى الحديث الشريف: من جعل الآخرة قصده ونيته وعمل لها كما قال تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا}. جعله الله تعالى قانعاً بالكفاف والكفاية كي لا يتعب بطلب الزيادة.
(وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ) أي أموره المتفرقة ولم يجعله مشتتاً.
أما من كانت الدنيا همَّه والعياذ بالله تعالى جعل الله عز وجل فقره بين عينيه وجعل حوائجه للناس، وفرَّق عليه شمله وشتَّت أمره وكانت عاقبةُ أمره خسراً كما قال تعالى: {مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا}. وهذا الحريص على الدنيا لن ينال منها إلا ما قُدِّر له، فحرصه عليها ما زاد في رزقه، وزهد الأول فيها ما أنقص من رزقه، ولكن واحداً يكون محبوباً وهو الزاهد في الدنيا ورزقه هو هو، والآخر يكون مذموماً عند الله ورزقه هو هو. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |