السؤال :
مَا حُكْمُ إِعَادَةِ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ الجُمُعَةِ عِنْدَ السَّادَةِ الحَنَفِيَّةِ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 2328
 2009-09-05

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

صَلَاةُ الجُمُعَةِ لَهَا شُرُوطُ صِحَّةٍ، وَشُرُوطُ وُجُوبٍ، أَمَّا شُرُوطُ الصِّحَّةِ فَمِنْ جُمْلَتِهَا: أَنْ لَا تَتَعَدَّدَ الجُمُعَةُ في المِصْرِ الوَاحِدِ مُطْلَقًا، وَفِي حَالِ فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِهَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الجُمُعَةِ، وَصَلَاةُ الجُمُعَةِ لَا تُقْضَى بِالفَوَاتِ، وَإِنَّمَا تُعَادُ الظُّهْرُ في مَكَانِهَا.

وَيَقُولُ ابْنُ عَابِدِينَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في حَاشِيَتِهِ ـ مَطْلَبٌ في نِيَّةِ آخِرِ ظُهْرٍ بَعْدَ صَلَاة الجُمُعَةِ ـ: لِأَنَّ جَوَازَ التَّعَدُّدِ وَإِنْ كَانَ أَرْجَحَ وَأَقْوَى دَلِيلًا، لَكِنْ فِيهِ شُبْهَةٌ قَوِيَّةٌ لِأَنَّ خِلَافَهُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَقْدِسِيَّ فِي رِسَالَتِهِ [نُورُ الشَّمْعَةِ فِي ظُهْرِ الْجُمُعَةِ] بَلْ قَالَ السُّبْكِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: إنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَلَا يُحْفَظُ عَنْ صَحَابِيٍّ وَلَا تَابِعِيٍّ تَجْوِيزُ تَعَدُّدِهَا اهـ.

وَقَدْ عَلِمْتَ قَوْلَ الْبَدَائِعِ إنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: إِنَّهُ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ الْإِمَامِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ.

فَهُوَ حِينَئِذٍ قَوْلٌ مُعْتَمَدٌ فِي الْمَذْهَبِ لَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ؛ وَلِذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: الْأَوْلَى هُوَ الاحْتِيَاطُ، لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي جَوَازِ التَّعَدُّدِ وَعَدَمِهِ قَوِيٌّ، وَكَوْنُ الصَّحِيحِ الْجَوَازَ لِلضِّرْوَةِ لِلْفَتْوَى لَا يَمْنَعُ شَرْعِيَّةَ الاحْتِيَاطِ لِلتَّقَوِّي. اهـ.

ثُمَّ يَقُولُ ابْنُ عَابِدِينَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: عَلَى أَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ ضَعْفُهُ فَالْخُرُوجُ عَنْ خِلَافِهِ أَوْلَى، فَكَيْفَ مَعَ خِلَافِ هَؤُلَاءِ الأَئِمَّةِ؟

وَفِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ» وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ فِيمَنْ يَقْضِي صَلَاةَ عُمْرِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَفُتْهُ مِنْهَا شَيْءٌ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِالِاحْتِيَاطِ.

وَنَقَلَ الْمَقْدِسِيَّ عَنِ الْمُحِيطِ: كُلُّ مَوْضِعٍ وَقَعَ الشَّكُّ فِي كَوْنِهِ مِـصْرًا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا بَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا بِنِيَّةِ الظُّهْرِ احْتِيَاطًا، حَتَّى إنَّهُ لَوْ لَمْ تَقَعِ الْجُمُعَةُ مَوْقِعَهَا يَخْرُجُونَ عَنْ عُهْدَةِ فَرْضِ الْوَقْتِ بِأَدَاءِ الظُّهْرِ.

وَقَالَ فِي الْقُنْيَةِ: لَمَّا ابْتُلِيَ أَهْلُ مَرْوَ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَتَيْنِ فِيهَا مَعَ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِهِمَا أَمَرَ أَئِمَّتُهُمْ بِالْأَرْبَعِ بَعْدَهَا حَتْمًا احْتِيَاطًا. اهـ.

وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَأَكْثَرُ مَشَايِخِ بُخَارَى عَلَيْهِ لِيَخْرُجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ. هذا، والله تعالى أعلم.