طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: أَقُولُ لَكَ: أَخِي رَاجِعِ الحِسَابَاتِ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ نَفْسِكَ، وَتَعَرَّفْ إلى سَبَبِ جَوْرِ أَبِيكَ عَلَيْكَ، لِأَنَّ الأَبَ مَجْبُولٌ بِفِطْرَتِهِ عَلَى مَحَبَّةِ الوَلَدِ، فَإِذَا جَارَ وَظَلَمَ فَقَطْعَاً لِسَبَبٍ، فَابْحَثْ عَنِ السَّبَبِ وَتُبْ إلى اللهِ تعالى مِنْهُ.
ثانياً: إِنْ كَانَ وَالِدُكَ قَدْ جَارَ وَظَلَمَ ظُلْمَاً وَعُدْوَانَاً، وَبِدُونِ سَبَبٍ مِنْكَ، أَقُولُ لَكَ: لَا تَعْصِ اللهَ فِيهِ كَمَا عَصَى اللهَ فِيكَ، وَلَا تُقَابِلِ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ، وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ البَلَاءِ، فَطُوبَى لِمَنْ كَانَ صَاحِبَ خُلُقٍ حَسَنٍ مَعَ مَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ، وَخَاصَّةً إِنْ كَانَ وَالِدَاً، وَصَاحِبُ الخُلُقِ الحَسَنِ لَا يَعْصِي اللهَ فِيمَنْ عَصَى اللهَ فِيهِ.
ثالثاً: أُوصِيكَ بِوَصِيَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. كَمَا رواها الحاكم في تَارِيخِهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ وَلَدٍ بَارٍّ يَنْظُرُ إلى وَالِدَيْهِ نَظْرَةَ رَحْمَةٍ، إِلَّا كَتَبَ اللهُ بِكُلِّ نَظْرَةٍ حَجَّةً مَبْرُورَةً».
قَالُوا: وَإِنْ نَظَرَ كُلَّ يَوْمٍ مِئَةَ مَرَّةٍ؟
فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ، اللهُ أَكْثَرُ وَأَطْيَبُ».
وَإِنِّي أُخَاطِبُ كُلَّ أَبٍ عَاقِلٍ جَارَ وَظَلَمَ لِغَفْلَةٍ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ اعْتَرْتَهُ: يَا أَخِي انْظُرْ إلى نَتَائِجِ الجَوْرِ وَالظُّلْمِ مِنْ خِلَالِ سُؤَالِ هَذَا الشَّابِ الذي وَصَلَ إلى حَدِّ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلى وَالِدِهِ نَظْرَةَ حِقْدٍ وَكَرَاهِيَةٍ، كَيْفَ تَرْضَى هَذَا لِنَفْسِكَ؟ وَمَا الذي يَدْفَعُكَ إلى الجَوْرِ وَالظُّلْمِ؟ أَنْصَحُ كُلَّ أَبٍ بِقَاعِدَةٍ تَقُولُ: العُقُوقُ لَا يَمْنَعُ مِنَ الحُقُوقِ.
وَأُذَكِّرُ كُلَّ أَبٍ جَارَ وَظَلَمَ بِحَدِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي أَخْرَجَهُ البيهقي، عِنْدَمَا كَانَ رَجُلٌ جَالِسَاً بِقُرْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ عَلَى الرَّجُلِ ابْنٌ لَهُ، فَقَبَّلَهُ وَوَضَعَهُ في حِجْرِهِ، ثُمَّ دَخَلَتْ عَلَيْهِ ابْنَةٌ لَهُ فَوَضَعَهَا إلى جَانِبِهِ، وَلَمْ يُقَبِّلْهَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا هَذَا مَا عَدَلْتَ بَيْنَهُمَا».
فَانْظُرْ يَا أَخِي إلى حِرْصِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى تَمَاسُكِ الأُسْرَةِ وَتَكَاتُفِهَا مِنْ خِلَالِ العَدْلِ بَيْنَ الأَوْلَادِ.
نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُلْهِمَنَا رُشْدَنَا آمين آمين آمين. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |