السؤال :
رَجُلٌ اشْتَرَى سِلْعَةً إلى أَجَلٍ مُسَمًّى، وَقَبْلَ حُلُولِ الأَجَلِ اتَّفَقَ البَائِعُ مَعَ المُشْتَرِي عَلَى تَعْجِيلِ الدَّفْعِ وَيُسْقِطُ عَنْهُ شَيْئًا مِنَ الدَّيْنِ، فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 2865
 2010-04-26

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَالصُّلْحُ عَلَى الدَّيْنِ المُؤَجَّلِ بِأَخْذِ بَعْضِهِ وَإِسْقَاطِ بَعْضٍ لَا يَجُوزُ، كَأَنْ يُصَالِحَ مِنَ الأَلْفِ المُؤَجَّلَةِ عَلَى خَمْسِمِئَةٍ مُعْجَّلَةٍ هَذَا لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ المُؤَجَّلِ لَا يَسْتَحِقُّ المُعَجَّلَ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا اسْتِيفَاءً للحَقِّ، فَصَارَ التَّعَاقُدُ مُعَاوَضَةً عَنِ الأَجَلِ، فَلَا يَجُوزُ، لِأَنَّ الأَجَلَ لَيْسَ بِمَالٍ، وَبَيْعُ خَمْسِمْئَةٍ بِأَلْفٍ لَا يَجُوزُ.

وَهَذَا المَوْضُوعُ دَاخِلٌ تَحْتَ القَاعِدَةِ التي تَقُولُ: ضَعْ وَتَعَجَّلْ، فَيَرَى جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ، فَقَالَ المَدِينُ لِغَرِيمِهِ: ضَعْ عَنِّي بَعْضَهُ وَأُعَجِّلُ لَكَ بَقِيَّتَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ وَالمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنْ ذَلِكَ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ سَأَلَهُ ثَانِيَةً، فَقَالَ: (إِنَّ هَذَا يُرِيدُ أَنْ أُطْعِمَهُ الرِّبَا) أَوْرَدَهُ الإِمَامُ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِ الآثَارِ.

وَرُوِيَ أَنَّ المِقْدَادَ قَالَ لِرَجُلَيْنِ فَعَلَا ذَلِكَ: (كِلَاكُمَا قَدْ أَذِنَ بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ.

وَالعِلَّةُ في هَذَا التَّحْرِيمِ: هِيَ جَعْلُ الحَطِّ مُقَابِلَ الأَجَلِ، فَكَانَ هَذَا هُوَ مَعْنَى الرِّبَا الذي نَصَّ عَلَيْهِ القُرْآنُ العَظِيمُ في تَحْرِيمِهِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ حَالَّةٌ، فَقَالَ لَهُ: أَجِّلْنِي وَأَزِيدُكَ فِيهَا مِئَةَ دِرْهَمٍ، لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ المِئَةَ عِوَضٌ مِنَ الأَجَلِ، كَذَلِكَ الحَطُّ في مَعْنَى الزِّيَادَةِ إِذْ جَعَلَهُ عِوَضًا مِنَ الأَجَلِ، وَهَذَا هُوَ الأَصْلُ في امْتِنَاعِ جَوَازِ أَخْذِ الأَبْدَالِ عَنِ الآجَالِ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

هَذَا الصُّلْحُ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ رِبًا.

وَلَكِنْ إِذَا جَاءَ المَدِينُ إلى الدَّائِنِ، وَدَفَعَ لَهُ كَامِلَ الحَقِّ وَعَجَّلَ لَهُ في الوَفَاءِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ الوَضْعَ بِشَكْلٍ مَلْفُوظٍ وَلَا مَلْحُوظٍ، ثُمَّ دَفَع الدَّائِنُ شَيْئًا للمَدِينِ جَازَ وَلَا حَرَجَ في ذَلِكَ، وَيَكُونُ هَذَا مِنْ بَابِ رَدِّ الجَمِيلِ وَالمَعْرُوفِ، وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ﴿وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة: 237].

أَمَّا إِذَا كَانَ عَطَاءُ الدَّائِنِ للمَدِينِ مَشْرُوطًا أَوْ مَلْحُوظًا فَكَمَا قُلْنَا لَا يَجُوزُ. هذا، والله تعالى أعلم.