طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
القَاعِدَةُ الفِقْهِيَّةُ تَقُولُ: كُلُّ مَا ثَبَتَ ضَرَرُهُ ثَبَتَتْ حُرْمَتُهُ.
وَالحَدِيثُ الشَّرِيفُ الذي أَخْرَجَهُ الإِمَامُ مَالِكٌ في مُوَطَّئِهِ، أَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ».
وَقِيلَ لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: مَا الضَّرَرُ وَالضِّرَارُ؟
فَقَالَ: مَا أَضَرَّ بِالنَّاسِ في طَرِيقٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.
وَأَظُنُّ أَنَّهُ مَا مِنْ عَاقِلٍ في الدُّنْيَا لَا يَعْلَمُ أَنَّ أَضْرَارَ الدُّخَانِ جَسِيمَةٌ عَلَى المُدَخِّنِ، وَعَلَى جَلِيسِ المُدَخِّنِ، وَهَدْرٌ للمَالِ في طَرِيقٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ.
وَكُلُّ مَا ثَبَتَ ضَرَرُهُ ثَبَتَتْ حُرْمَتُهُ، وَإِذَا ثَبَتَتْ حُرْمَتُهُ حَرُمَ شُرْبُهُ، وَحَرُمَ الاتِّجَارُ بِهِ.
وَلَكِنْ بِكُلِّ أَسَفٍ صَارَ بَعْضُ المُؤْمِنِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ إِذَا لَمْ يَجْعَلُوا الدُّخَانَ في مَحَلَّاتِهِمُ التِّجَارِيَّةِ فَإِنَّ الزَّبَائِنَ لَا يُقْبِلُونَ عَلَى تِلْكَ المَحَلَّاتِ التِّجَارِيَّةِ، وَهَذَا أَمْرٌ خَطِيرٌ يَجِبُ عَلَى أَصْحَابِ هَذَا الظَّنِّ أَنْ يَزِيدُوا في إِيمَانِهِمْ حَتَّى يَعْلَمُوا أَنَّ الرَّزَّاقَ هُوَ اللهُ تعالى، وَأَنَّ الأَسْبَابَ خَادِمَةٌ لِقَدَرِ اللهِ تعالى، وَلَيْسَ القَدَرُ خَادِمًا للأَسْبَابِ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
لَا يَجُوزُ الاتِّجَارُ بِالدُّخَانِ، وَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْتَمِدَ عَلَى اللهِ تعالى، وَأَنْ نَعْلَمَ بِأَنَّ رِزْقَنَا مَقْسُومٌ، فَلْنَسْعَ خَلْفَ رِزْقِنَا بِطَرِيقٍ مَشْرُوعٍ، لَا غَيْرِ مَشْرُوعٍ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |