طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَالمَرْأَةُ الكَافِرَةُ في نَظَرِهَا إلى المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ كَالرَّجُلِ الأَجْنَبِيِّ، فَلَا يَحِلُّ للمُسْلِمَةِ أَنْ تُمَكِّنَهَا مِنَ النَّظَرِ إلى شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهَا، بِدَلِيلِ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ﴾.
وَقَدْ فَسَّرَ جُمْهُورُ العُلَمَاءِ ذَلِكَ بِأَنَّهُنَّ النِّسَاءُ المُسْلِمَاتُ الحَرَائِرُ، وَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا مِنْ قَوْلِهِ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ: هُنَّ المُسْلِمَاتُ، لَا تُبْدِي زِينَتَهَا لِيَهُودِيَّةٍ وَلَا نَصْرَانِيَّةٍ.
وَلِأَنَّهُ لَو جَازَ للكَافِرَةِ النَّظَرُ إلى المُسْلِمَةِ لَمْ يَبْقَ للتَّخْصِيصِ الوَارِدِ في الآيَةِ بِالإِضَافَةِ فَائِدَةٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ المُرَادَ صِنْفٌ مِنَ النِّسَاءِ، هُنَّ المُسْلِمَاتُ.
وَبِدَلِيلٍ آخَرَ هُوَ أَنَّ سَيِّدَنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَتَبَ إلى أَبِي عُبَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أما بعد: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ نِسَاءً مِنْ نِسَاءِ المُسْلِمِينَ يَدْخُلْنَ الْحَمَّامَاتِ وَمَعَهُنَّ نِسَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَامْنَعْ ذَلِكَ، وَحُلْ دُونَهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ: فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُنْظَرَ إِلَى عَوْرَتِهَا إِلَّا أَهْلُ مِلَّتِهَا.
وَالمَقْصُودُ مِنْ عَوْرَتِهَا: مَا يَنْكَشِفُ مِنْهَا، لَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ.
وَقَدْ قَالَ مُجَاهٍدٌ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: لَا تَضَعُ خِمَارَهَا عِنْدَ مُشْرِكَةٍ وَلَا تُقَبِّلُهَا، لِأَنَّ اللهَ تعالى يَقُولُ: ﴿ أَو نِسَائِهِنَّ﴾. فَلَيْسَتِ المُشْرِكَةُ مِنْ نِسَائِهِنَّ.
كَمَا اسْتَدَلُّوا بِأَنَّ كَشْفَ المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ عَنْ بَدَنِهَا أَمَامَ الكَافِرَةِ قَدْ يُؤَدِّي إلى أَنْ تَصِفَهَا لِزَوْجِهَا أَو غَيْرِهِ، فَإِنَّ دِينَهَا لَا يَمْنَعُهَا عَنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا المُسْلِمَةُ فَإِنَّهَا تَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ فَتَنْزَجِرُ عَنْهُ.
وَقَدْ نَصَّ بَعْضُ فُقَهَاءِ الحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي للمَرْأَةِ الصَّالِحَةِ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهَا المَرْأَةُ الفَاجِرَةُ، وَلَا تَضَعُ جِلْبَابَهَا وَلَا خِمَارَهَا أَمَامَهَا.
وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ شَافِعِيُّ المَذْهَبِ: المَرْأَةُ الفَاسِقَةُ مَعَ العَفِيفَةِ كَالكَافِرَةِ مَعَ المُسْلِمَةِ، يَعْنِي: أَنَّ المُسْلِمَةَ العَفِيفَةَ يَحْرُمُ عَلَيْهَا تَمْكِينُ الفَاسِقَةِ مِنَ النَّظَرِ إلى بَدَنِهَا.
وَذَهَبَ بَعْضُ الفُقَهَاءِ، وَفِيهِمْ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَالحَنْبَلِيَّةِ، إلى أَنَّ المَرْأَةَ الكَافِرَةَ كَالمُسْلِمَةِ في النَّظَرِ إلى المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ، إِلَّا أَنَّهَا لَا يَنْبَغِي أَنْ تَتَكَشَّفَ أَمَامَهَا كَثِيرَاً. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |