طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾.
أولاً: الحَدِيثَانِ هُمَا حَدِيثٌ وَاحِدٌ، ذَكَرَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالبَيْهَقِيُّ في شُعَبِ الإِيمَانِ، وَأَبُو يَعْلَى، وَالطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ، حَتَّى يُعْبَدَ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ». وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: إِسْنَادُهُ صَالِحٌ. وَذَكَرَ جُزْءَاً مِنْهُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الجِهَادِ تَعْلِيقَاً.
ثانياً: القُرْآنُ فَصَلَ في هَذِهِ القَضِيَّةِ، وَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِيَصْدُرَ عَنْهُ مَا يُنَاقِضُ القُرْآنَ العَظِيمَ الذي بَلَغَهُ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَيْثُ قَالَ: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾.
وَقَالَ: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعَاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾.
وَقَالَ آمِرَاً لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ﴾.
وَقَالَ مُبَيِّنَاً لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾.
وَقَالَ آمِرَاً لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾.
وَأَمَّا الشَّطْرُ الأَوَّلُ مِنَ الحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ». فَجَاءَ بَيَانَاً لِوَسِيلَةِ حِمَايَةِ الدَّعْوَةِ عِنْدَ التَّعَدِّي عَلَيْهَا، وَعِنْدَ التَّصَدِّي للمُسْلِمِينَ، وَإِلَّا فَهَلِ اسْتَعْمَلَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ السَّيْفَ لِإِكْرَاهِ أَحَدٍ عَلَى الإِسْلَامِ؟ اللَّهُمَّ لَا.
وَمَاذَا يَنْفَعُ إِسْلَامٌ بِالقَهْرِ؟ فَالإِسْلَامُ يُرِيدُ قُلُوبَاً لَا قَوَالِبَ، وَالقَهْرُ بِالقُوَّةِ لَا يَجْعَلُ مَوَدَّةً في قَلْبِ المَقْهُورِ تُجَاهَ القَاهِرِ.
وَأَمَّا الشَّطْرُ الثَّانِي مِنَ الحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي». إِشَارَةٌ إلى آيَةِ الغَنَائِمِ: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ﴾.
فَصَارَ رِزْقُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في بَيْتِ مَالِ المُسْلِمِينَ، حَتَّى لَا يَنْشَغِلَ عَنِ الدَّعْوَةِ بِكَسْبِ الرِّزْقِ، وَصَارَ هَذَا مَبْدَأً مِنْ مَبَادِئِ الإِسْلَامِ، فَأَصْبَحَ لِوَلِيِّ أَمْرِ المُسْلِمِينَ مُرَتَّبٌ في بَيْتِ مَالِ المُسْلِمِينَ حَتَّى يَتَفَرَّغَ لِشُؤُونِهِمْ، وَهَذَا هُوَ مَا فَهِمَهُ أَصْحَابُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بَعْدَ أَنِ اخْتَارَهُ المُسْلِمُونَ خَلِيفَةً، تَوَجَّهَ الى السُّوقِ كَعَادَتِهِ للتِّجَارَةِ، فَقَابَلَهُ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَقَالَ لَهُ: مَاذَا تَصْنَعُ في السُّوقِ؟
قَالَ: أَعْمَلُ لِرِزْقِي وَرِزْقِ عِيَالِي.
فَقَالَ لَهُ: قَدْ كَفَاكَ اللهُ ذَلِكَ. مُشِيرَاً إلى قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ﴾. فَمُرَتَّبُ الخَلِيفَةِ مِنْ ذَلِكَ الخُمُسِ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |