طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد ذَهَبَ جُمهُورُ الفُقَهَاءِ إلى عَدَمِ جَوَازِ مُفَارَقَةِ المُقتَدِي إِمَامَهُ بِدُونِ عُذْرٍ، فلا يَنتَقِلُ من جَمَاعَةٍ إلى الانفِرَادِ، لأنَّ المَأمُومِيَّةَ تَلْزَمُ بالشُّرُوعِ، لِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ. فإذا انتَقَلَ المَأمُومُ من الجَمَاعَةِ إلى الانفِرَادِ بِدُونِ عُذْرٍ بَطَلَت صَلاتُهُ، إلا عِندَ الشَّافِعِيَّةِ صَحَّت صَلاتُهُ مَعَ كَرَاهَةِ المُفَارَقَةِ. هذا أولاً.
ثانياً: أمَّا إذا فَارَقَ المَأمُومُ إِمَامَهُ بِعُذْرٍ صَحَّت صَلاتُهُ عِندَ جُمهُورِ الفُقَهَاءِ، ما عَدَا الحَنَفِيَّةِ.
واستَدَلَّ الجُمهُورُ على صِحَّةِ المُفَارَقَةِ والانتِقَالِ من الجَمَاعَةِ إلى الانفِرَادِ بِحَدِيثِ جَابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: كَانَ مُعَاذٌ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَأْتِي فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ، فَصَلَّى لَيْلَةً مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ أَتَى قَوْمَهُ فَأَمَّهُمْ، فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَانْحَرَفَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ وَانْصَرَفَ.
فَقَالُوا لَهُ: أَنَافَقْتَ يَا فُلَانُ؟
قَالَ: لَا واللهِ، وَلَآتِيَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَلَأُخْبِرَنَّهُ.
فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا أَصْحَابُ نَوَاضِحَ، نَعْمَلُ بِالنَّهَارِ، وَإِنَّ مُعَاذاً صَلَّى مَعَكَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ أَتَى فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ.
فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُعَاذٍ فَقَالَ: «يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟! اِقْرَأْ بِكَذَا وَاقْرَأْ بِكَذَا» رواه الإمام مسلم.
وبناء على ذلك:
فإذا نَوَيتَ بِقَلبِكَ مُفَارَقَةَ الإمَامِ لهذا العُذْرِ، فَصَلاتُكَ صَحِيحَةٌ عِندَ جُمهُورِ الفُقَهَاءِ، خِلافَاً للحَنَفِيَّةِ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |