طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَد رَوَى الإمام أحمَدُ فِي مُسنَدِهِ عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ، وَلَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلَّا الْبِرُّ». وهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسنَادِ.
أمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلرِزقِ، فَإنَّ رِزقَ العَبدِ مُقَدَّرٌ ومَكتُوبٌ، وَلَا يَزِيدُ وَلَا يَنقُصُ، كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ الذِي رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قالَ: «نَفَثَ رُوحُ الْقُدُسِ فِي رَوْعِي أَنَّ نفْساً لَنْ تَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى تَسْتَكْمِلَ أَجَلَهَا، وَتَسْتَوْعِبَ رِزْقَهَا، فَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلا يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعْصِيَةِ الله، فَإِنَّ اللهَ لا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلا بِطَاعَتِهِ».
والرِزقُ لَا تَزِيدُهُ الطَّاعَةُ، ولَا تَنقُصُهُ المَعصِيَةُ، ولَكِن إذَا كَانَ العَبدُ مِن أَهلِ الطَاعَةِ بَارَكَ اللهُ تَعالى لَهُ فِي رِزقِهِ ولَو كَانَ قَلِيلاً، وأَمَّا إذا كَانَ عَاصِياً فَيَنتَزِعُ اللهُ تَعالى من رِزقِهِ البَرَكَةَ ولَو كَانَ كَثِيراً.
وعلى هَذَا تُحمَلُ أَحَادِيثُ زِيَادَةِ الرِزقِ لِأهلِ الطَّاعَاتِ، وقِلَّةِ الرِزقِ لِأهلِ المَعَاصِي والمُنكَراتِ.
وبناءً على ذلك:
فَالحَدِيثُ رَوَاهُ ابنُ مَاجَه والحَاكِمُ وأحمدُ، وهُوَ صَحِيحُ الإسنَادِ، والمَقصُودُ بِحِرمَانِ الرِزقِ نَزعُ البَرَكَةِ مِن رِزقِهِ المُقَدَّرِ لَهُ قَبلَ خَلقِهِ بِسَبَبِ المَعصِيَةِ، أمَّا أَهلُ الطَّاعَةِ فَإِنَّ اللهَ تَعالى يُبَارِكُ لَهُم فِي أَجَلِهِمِ المَحدُودِ، ورِزقِهِمِ المَقسُوم، كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ الذِي رَوَاهُ الإمَامُ البُخَاريُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ رِزْقُهُ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ». هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |