طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد جَاءَ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ ـ وَفِي حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ ـ مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ».
وكذلكَ روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «إِذَا قَامَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ».
وجَاءَ في الموسوعة الفقهية الكويتية، وَسُئِلَ مَالِكٌ عن الرَّجُلِ يَقُومُ من المَجْلِسِ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَزْعُمُ أَنَّهُ إذا قَامَ الرَّجُلُ من مَجْلِسِهِ ثمَّ رَجَعَ إِلَيهِ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ.
فَقَالَ: سَمِعْتُ في ذلكَ شَيْئَاً، وَإِنَّهُ لَحَسَنٌ إِنْ كَانَ إِتْيَانُهُ قَرِيبَاً، وَإِنَّ تَبَاعُدَ ذلكَ حَتَّى يَذْهَبَ بَعِيدَاً وَنَحْوَ ذلكَ فلا أَرَى ذلكَ لَهُ، وَإِنَّ هذا لَمِن مَحَاسِنِ الأَخْلاقِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ رشدٍ مَعنَاهُ: إذا قَامَ عَنهُ على أن لا يَرْجِعَ إِلَيهِ وَأَمَّا إن قَامَ عَنهُ على أن يَرْجِعَ إِلَيهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ إن رَجَعَ بالقُرْبِ، فَتَحْصِيلُ هذا أَنَّهُ إن قَامَ عَنهُ على أن لا يَرْجِعَ إِلَيهِ فَرَجَعَ بالقُرْبِ، حَسُنَ أن يَقُومَ لَهُ عَنهُ من جَلَسَ بَعدَهُ فِيهِ، وإن لَمْ يَرْجِعْ بالقُرْبِ لَمْ يَكُنْ ذلكَ عَلَيهِ في الاسْتِحْسَانِ، وإن قَامَ عَنهُ على أن يَعُودَ إِلَيهِ فَعَادَ إِلَيهِ بالقُرْبِ كَانَ أَحَقَّ بِهِ، وَوَجَبَ على من جَلَسَ فِيهِ بَعدَهُ أن يَقُومَ لَهُ عَنهُ، وإن لَمْ يَعُدْ إِلَيهِ بالقُرْبِ، حَسُنَ أن يَقُومَ لَهُ عَنهُ من جَلَسَ فِيهِ بَعدَهُ وَلَمْ يَجِبْ ذلكَ عَلَيهِ.
وبناء على ذلك:
فَمَن سَبَقَ إلى مَكَانٍ في المَسْجِدِ بِذَاتِهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، لِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «مَنْ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ» رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ أَسْمَرَ بن مُضَرِّسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
وإذا قَامَ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ أو تَجْدِيدِ وُضُوءٍ فَهُوَ أَحَقُّ بالمَكَانِ إذا رَجَعَ إِلَيهِ، لِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ ـ وَفِي حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ ـ مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ».
وقَالَ جُمهُورُ الفُقَهَاءِ: هذا الأَمْرُ لَيسَ على الوُجُوبِ، بَل هوَ مُسْتَحَبٌّ، سَوَاءٌ تَرَكَ في مَكَانِهِ شَيْئَاً أم لا.
وأمَّا إذا قَامَ وتَأَخَّرَ في العَوْدَةِ إلى مَكَانِهِ فَلَيسَ من حَقِّهِ، ولَو تَرَكَ شَيْئَاً في مَكَانِهِ.
أمَّا السَّبْقُ إلى المَكَانِ بالفَرْشِ فَهُوَ تَحْجِيرٌ وهذا لا يَجُوزُ. هذا، واللهُ تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |