طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَمِنْ أَشْهَرِ الصُّحُفِ المَكْتُوبَةِ في العَصْرِ النَّبَوِيِّ الصَّحِيفَةُ الصَّادِقَةُ، التي كَتَبَهَا جَامِعُهَا سَيِّدُنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرو بِنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا من سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَقَد اشْتَمَلَتْ على أَلْفِ حَدِيثٍ، كَمَا يَقُولُ ابْنُ الأَثِيرِ، وَمُحْتَوَاهَا مَحْفُوظٌ في مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
وَهِيَ أَصْدَقُ وَثِيقَةٍ تَارِيخِيَّةٍ تُثْبِتُ كِتَابَةَ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ على عَهْدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ كِتَابَتُهَا بَعْدَ فَتْوَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا، روى الإمام أحمد والحاكم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أُرِيدُ حِفْظَهُ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ، فَقَالُوا: إِنَّكَ تَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَشَرٌ، يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا؛ فَأَمْسَكْتُ عَن الْكِتَابِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ: «اكْتُبْ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا خَرَجَ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ».
وَكَانَ سَيِّدُنَا أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يَقُولُ: لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ حَدِيثَاً عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنِّي إِلَّا عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو، فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ، وَكُنْتُ لَا أَكْتُبُ. رواه الإمام أحمد والترمذي.
وبناء على ذلك:
فَهَذِهِ الصَّحِيفَةُ الصَّادِقَةُ كُتِبَتْ بِإِذْنٍ من سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِسَيِّدِنَا عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا، لِأَنَّهُ كَانَ كَاتِبَاً مُتْقِنَاً، وَاشْتُهِرَتْ بِالصَّادِقَةِ كَمَا أَرَادَ كَاتِبُهَا أَنْ يُسَمِّيَهَا، لِأَنَّهُ كَتَبَهَا عَن سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَهِيَ أَصْدَقُ مَا يُرْوَى عَنْهُ.
وَقَد رَآهَا مُجَاهِدُ بْنُ جَبْرٍ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، فَذَهَبَ لِيَتَنَاوَلَهَا، فَقَالَ: مَه يَا غُلَامَ بَنِي مَحْزُومٍ.
قُلْتُ: مَا كُنْتَ تَمْنَعُنِي شَيْئَاً.
قَالَ: هَذِهِ الصَّادِقَةُ، فِيهَا مَا سَمِعْتُهُ مِن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فِيهَا أَحَدٌ. رواه ابْنُ سَعْدٍ في الطَّبَقَاتِ الكُبْرَى. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |