السؤال :
ما هو الطريق الموصل إلى التحلي بالحلم؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 8362
 2017-10-16

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَإِنَّ أَقْرَبَ طَرِيقٍ يُوصِلُ العَبْدَ إلى التَّحَلِّي بِالحِلْمِ، أَنْ يَقْرَأَ في كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ فَضْلِ الحِلْمِ وَكَظْمِ الغَيْظِ.

كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالـضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ﴾.

وَكَقَوْلِهِ تعالى: ﴿فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾.

وَكَقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَحَلَّى بِصِفَةِ الحِلْمِ، فَلْيَسْمَعْ مَا قَالَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَظَمَ غَيْظَاً وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ، دَعَاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُؤُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ اللهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ مَا شَاءَ» رواه الإمام أحمد أبو داود والترمذي عَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وروى الإمام مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِلْأَشَجِّ أَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ: «إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ، وَالْأَنَاةُ».

وبناء على ذلك:

فَالطَّرِيقُ المُوصِلُ إلى الحِلْمِ هُوَ التَّأَسِّي بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي عَلَّمَ الأُمَّةَ كَيْفَ يَكُونُ الحِلْمُ الذي يُحِبُّهُ اللهُ تعالى مِنْ عَبْدِهِ.

روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلَاً تَقَاضَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَغْلَظَ لَهُ فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ.

فَقَالَ: «دَعُوهُ، فَإِنَّ لِصَاحِبِ الحَقِّ مَقَالَاً، وَاشْتَرُوا لَهُ بَعِيرَاً فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ».

وَقَالُوا: لَا نَجِدُ إِلَّا أَفْضَلَ مِنْ سِنِّهِ.

قَالَ: «اشْتَرُوهُ، فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ، فَإِنَّ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً»

وروى الإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: اسْتَأْذَنَ رَهْطٌ مِنَ اليَهُودِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ.

فَقُلْتُ: بَلْ عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ.

فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ».

قُلْتُ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟

قَالَ: «قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ».

وَرَحِمَ اللهُ تعالى مَنْ قَالَ: لَيْسَ الحَلِيمُ مَنْ ظُلِمَ فَحَلِمَ، حَتَّى إِذَا قَدِرَ انْتَقَمَ، وَلَكِنَّ الحَلِيمَ مَنْ ظُلِمَ فَحَلِمَ، حَتَّى إِذَا قَدِرَ عَفَا.

وَرَحِمَ اللهُ تعالى الإِمَامَ الشَّافِعِيَّ عِنْدَمَا قَالَ:

يُخَاطِبُنِي السَّفِيهُ بِكُلِّ قُبْحٍ   ***   فَـأَكْـرَهُ أَنْ أَكُـونَ لَهُ مُجِيبَاً

يَـزِيـدُ سَفَاهَةً فَأَزِيدُ حِلْمَاً   ***   كَعُودٍ زَادَهُ الإِحْرَاقُ طِيبَاً

وَرَحِمَ اللهُ تعالى مَنْ قَالَ:

أُحِـبُّ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ جَهْدِي   ***   وَأَكْـرَهُ أَنْ أَعِـيـبَ وَأَنْ أُعَابَا

وَأَصْفَحُ عَنْ سِبَابِ النَّاسِ حِلْمَاً   ***   وَشَرُّ النَّاسِ مَنْ يَهْوَى السِّبَابَا

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا خُلُقَ الحِلْمِ. آمين.