طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَهَذَا خِطَابٌ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ، فِيهِ تَحْرِيضٌ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ يَعْفُوَ وَيَصْفَحَ عَمَّنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ، وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ التَّعَامُلِ مَعَ الآخَرِينَ بِالفَضْلِ لَا بِالعَدْلِ، فَالعَدْلُ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا، وَأَمَّا الفَضْلُ مُقَابَلَةُ السَّيِّئَةِ بِالحَسَنَةِ.
وَيَقُولُ الإِمَامُ القُرْطُبِيُّ في تَفْسِيرِهِ: وَالعَفْوُ: تَرْكُ المُؤَاخَذَةِ بِالذَّنْبِ؛ وَالصَّفْحُ: إِزَالَةُ أَثَرِهِ مِنَ النَّفْسِ؛ صَفَحْتُ عَنْ فُلَانٍ إِذَا أَعْرَضْتُ عَنْ ذَنْبِهِ؛ وَقَدْ ضَرَبْتُ عَنْهُ صَفْحَاً إِذَا أَعْرَضْتُ عَنْهُ وَتَرَكْتُهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: ﴿أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحَاً﴾.
وبناء على ذلك:
فَالصَّفْحُ أَبْلَغُ مِنَ العَفْوِ؛ العَفْوُ هُوَ عَدَمُ المُؤَاخَذَةِ، وَرُبَّمَا أَنْ يَبْقَى أَثَرُ ذَلِكَ في النَّفْسِ، فَالإِنْسَانُ قَدْ يَعْفُو وَلَا يَصْفَحُ؛ وَأَمَّا الصَّفْحُ فَهُوَ التَّجَاوُزُ عَنِ الخَطَأِ مَعَ مَحْوِ أَثَرِهِ مِنَ النَّفْسِ، بِحَيْثُ يَبْقَى الصَّدْرُ سَلِيمَاً نَحْوَ مَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ، وَهَذِهِ سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، روى الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا بُنَيَّ، إِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ لَيْسَ فِي قَلْبِكَ غِشٌّ لِأَحَدٍ فَافْعَلْ؛ يَا بُنَيَّ، وَذَلِكَ مِنْ سُنَّتِي، وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِي فِي الجَنَّةِ». هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |