طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ يَكْتُبُ في قُلُوبِ بَعْضِ عِبَادِهِ الإِيمَانَ، أَيْ يُثَبِّتُهُ في قُلُوبِهِمْ، وَيُمَكِّنُهُ فِيهَا، فَلَا تَعْصِفُ بِهِمْ عَوَاصِفُ الفِتَنِ، وَلَا تَغْلِبُهُمُ الأَهْوَاءُ، وَيُعِينُهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ، فَيَقِيهِمْ مِنَ الفِتَنِ وَنَزْغَاتِ الشَّيْطَانِ.
هَؤُلَاءِ العِبَادُ الذينَ اخْتَصَّهُمُ اللهُ تعالى بِهَذِهِ النَّاحِيَةِ الذينَ هُمُ الذينَ جَعَلُوا وَلَاءَهُمْ للهِ تعالى وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَقَطَعُوا في سَبِيلِ ذَلِكَ كُلَّ وَلَاءٍ لَهُمْ مَعَ أَعْدَاءِ اللهِ تعالى، وَلَو كَانُوا مِنْ أَقْرَبِ المُقَرَّبِينَ إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلٍ وَعَشِيرَةٍ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمَاً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾. هَؤُلَاءِ الذينَ لَا تَمِيلُ قُلُوبُهُمْ لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ ﴿أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ﴾.
وبناء على ذلك:
فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ اللهُ تعالى في قَلْبِهِ الإِيمَانَ وَيُثَبِّتَهُ وَيَحْفَظَهُ، وَيُؤَيِّدَهُ بِالقُرْآنِ العَظِيمِ، الذي هُوَ رُوحٌ لِأَرْوَاحِ المُؤْمِنِينَ، فَعَلَيْهِ بِالحُبِّ في اللهِ، وَالبُغْضِ في اللهِ، لِأَنَّ هَذَا أَوْثَقُ عُرَى الإِيمَانِ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ فِي اللهِ، وَتُبْغِضَ فِي اللهِ» رواه الإمام أحمد عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَتَجْدُرُ المُلَاحَظَةُ هُنَا بِأَنَّ الوُدَّ عَمَلٌ قَلْبِيٌّ، فَالمَطْلُوبُ مِنَ المُؤْمِنِ أَنْ لَا يَوَدَّ بِقَلْبِهِ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَهَذَا لَا يَعْنِي أَنْ يُخَالِقَ هَؤُلَاءِ بِخُلُقٍ سَيِّءٍ في الظَّاهِرِ، بَلْ يَسْمَعُ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَمِنَ الخُلُقِ الحَسَنِ الْتِزَامُ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنَاً﴾. وَقَوْلِهِ تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالمُهْتَدِينَ﴾. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |