السؤال :
لقد استعاذ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من بعض الأمور، مع أنها سبيل في نيل الشهادة، فلماذا؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 9040
 2018-07-19

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَد روى الإمام أحمد وأبو داود عَنْ أَبِي الْـيَسَرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَدْمِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ التَّرَدِّي، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْغَرَقِ، وَالْحَرَقِ، وَالْهَرَمِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَّيْطَانُ عِنْدَ المَوْتِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ فِي سَبِيلِكَ مُدْبِرَاً، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ لَدِيغَاً».

لَقَدِ اسْتَعَاذَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذِهِ الأُمُورِ، وَإِنْ كَانَتْ سَبَبَاً في نَيْلِ الشَّهَادَةِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «المَبْطُونُ شَهِيدٌ، وَالمَطْعُونُ شَهِيدٌ».

وروى الحاكم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللهِ: المَطْعُونُ شَهِيدٌ، وَالغَرِيقُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ، وَالمَبْطُونُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ الْحَرِيقِ شَهِيدٌ، وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ، وَالمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجَمْعٍ شَهِيدَةٌ (يَعْنِي النُّفَسَاءَ)».

لِأَنَّ هَذِهِ الأَسْبَابَ مُجْهِدَةٌ وَمُتْعِبَةٌ وَمُقْلِقَةٌ، قَدْ لَا يَصْبِرُ الإِنْسَانُ عَلَيْهَا، وَقَدْ لَا يَتَحَمَّلُ آلَامَهَا، وَرُبَّمَا أَنْ يَنْتَهِزَ الشَّيْطَانُ هَذِهِ الفُرْصَةَ فُرْصَةَ ضَعْفِ الإِنْسَانِ، فَيَحْمِلَهُ عَلَى الاعْتِرَاضِ عَلَى قَدَرِ اللهِ تعالى.

أَو يَكُونُ سَبَبُ الاسْتِعَاذَةِ مِن هَذِهِ الأُمُورِ لِأَنَّ في ظَاهِرِهَا مِحَنٌ وَمَصَائِبٌ وَبَلَاءٌ، وَأَمَّا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ نَيْلِ أَجْرِ الشَّهَادَةِ للتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ المُصِيبَةَ في حَدِّ ذَاتِهَا خَيْرٌ في حَقِّ المُؤْمِنِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عَجَبَاً لِأَمْرِ المُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرَاً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْرَاً لَهُ». فَنَبَّهَ عَلَى الثَّوَابِ مِنْ أَجْلِ الصَّبْرِ وَالتَّحَمُّلِ.

وبناء على ذلك:

فَقَدِ اسْتَعَاذَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذِهِ الأُمُورِ لِأَنَّ الإِنْسَانَ قَدْ لَا يَتَحَمَّلُ آلَامَهَا، وَقَدْ يَسْتَغِلُّ الشَّيْطَانُ ضَعْفَ الإِنْسَانِ.

أَو اسْتَعَاذَ مِنْهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ المَصَائِبِ وَالمِحَنِ التي قَدْ لَا يُطِيقُهَا الإِنْسَانُ، ثُمَّ حَضَّ عَلَى الصَّبْرِ عَلَيْهَا إِنْ نَزَلَتْ، وَبَيَّنَ أَجْرَ الصَّابِرِ فِيهَا. هذا، والله تعالى أعلم.