طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَإِنَّ الالْتِفَاتَ إلى وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ وَالعَمَلَ بِمُقْتَضَاهَا تَزِيدُ العَبْدَ تَرَدُّدَاً وَتَحَيُّرَاً حَتَّى تُخْرِجَهُ إلى خَبَرِ المَجَانِينِ، بَلْ وَأَقْبَحَ مِنْهُمْ.
وَقَدْ حَذَّرَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ الإِصْغَاءِ إلى وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ، وَخَاصَّةً في الوُضُوءِ، بِقَوْلِهِ: «إِنَّ لِلْوُضُوءِ شَيْطَانَاً يُقَالُ لَهُ الْوَلَهَانُ فَاحْذَرُوهُ، وَاتَّقُوا وَسْوَاسَ المَاءِ» رواه الحاكم عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وَسُمِّيَ بِالوَلْهَانِ مِنَ الوَلَهِ وَهُوَ التَّحَيُّرُ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يُحَيِّرُ الُمتَطَهِّرَ فَلَا يدْرِي هَلْ عَمَّ عُضْوَهُ أَو غَسَلَ مَرَّةً أَو غَيرَ ذَلِك؟
وَمَنِ ابْتُلِيَ بِذَلِكَ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ تعالى، ثُمَّ لِيَهْتَدِي بِهَدْيِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يَلْتَفِتْ إلى هَذِهِ الوَسْوَسَةِ، وَلْيَأْخُذِ الدَّوَاءَ النَّافِعَ مِنَ الذي لَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى.
وَمَنْ حُرِمَ الأَخْذَ بِوَصَايَا سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ حُرِمَ الخَيْرَ كُلَّهُ، لِأَنَّ الوَسْوَسَةَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَاللَّعِينُ لَا مُرَادَ لَهُ إِلَّا إِيقَاعَ المُؤْمِنِ في وَهْدَةِ الضَّلَالِ وَالحَيْرَةِ وَنَكَدِ العَيْشِ وَظُلْمَةِ النَّفْسِ وَضَجَرِهَا، وَيَنْسَى العَبْدُ قَوْلَهُ تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوَّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾.
وبناء على ذلك:
فَمَنِ ابْتُلِيَ بِالوَسْوَاسِ أَثْنَاءَ الوُضُوءِ، فَلْيَقُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، وَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، لِأَنَّ الوَسْوَسَةَ لَا تَسْتَحْكِمُ إِلَّا بِمَنْ كَانَ جَاهِلَاً بِالأَحْكَامِ، لِأَنَّهُ مَنْ كَانَ عَالِمَاً بِالأَحْكَامِ فَلَيْسَ للشَّيْطَانِ سُلطَانٌ عَلَيْهِ.
وَرَوَى ابْنُ السُّنِّيِّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ وَجَدَ مِنْ هَذَا الْوَسْوَاسِ شَيْئَاً فَلْيَقُلْ: آمَنَّا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثَلَاثَاً، فَإِنَّ ذَلِكَ يُذْهِبُ عَنْهُ».
وفي رِسَالَةِ القُشَيْرِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَطَاءٍ قَالَ: كَانَ لِي اسْتِقْصَاءٌ فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ، فَضَاقَ صَدْرِي لَيْلَةً لِكَثْرَةِ مَا صَبَبْتُ مِنَ المَاءِ، وَلَمْ يَسْكُنْ قَلْبِي، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ عَفْوَكَ؛ فَسَمِعْتُ هَاتِفَاً يَقُولُ: العَفْوُ فِي العِلْمِ؛ فَزَالَ عَنِّي ذَلِكَ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |