طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
جَاءَ في سُنَنِ الترمذي عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَسَّانَ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ المُسَيِّبِ يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الكَرَمَ، جَوَادٌ يُحِبُّ الجُودَ، فَنَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ وَلَا تَشَبَّهُوا بِاليَهُودِ».
قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِمُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنِيهِ عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَهَذِهِ الجُمْلَةُ وَرَدَتْ في سُنَنِ الترمذي بِالصِّيغَةِ التي ذَكَرْنَاهَا، وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ.
وَمَعْنَى: «نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ». المُنَزَّهُ عَنِ النَّقَائِصِ وَالعُيُوبِ، وَهُوَ بِمَعْنَى القُدُّوسِ، وَفي ذَلِكَ حَضٌّ عَلَى النَّظَافَةِ وَالتَّطْهِيرِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، لِأَنَّهُ مَنْ تَخَلَّقَ بِشَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ وَمَعَانِي أَسْمَائِهِ الحُسْنَى كَانَ مَحْبُوبًا لَهُ مُقَرَّبًا عِنْدَهُ، وَتَنْظِيفُ الثَّوْبِ وَالبَدَنِ مَطْلُوبٌ شَرْعًا وَعَقْلًا وَعُرْفًا.
وَقَدْ كَانَتْ ثِيَابُ السَّلَفِ الصَّالِحِ في غَايَةِ النَّقَاءِ وَالنَّظَافَةِ وَالبَيَاضِ، إلى حَدٍّ لَا تَبْلُغُهُ ثِيَابُ المُلُوكِ وَالسَّلَاطِينِ، كَأَنَّ ثِيَابَهُمْ قِطْعَةُ نُورٍ.
وَالنَّظَافَةُ تَزِيدُ في العَيْنِ مَهَابَةً، وَفِي القَلْبِ جَلَالَةً، وَقَدْ تَهَاوَنَ بِذَلِكَ بَعْضُ المُسْلِمِينَ، حَتَّى بَلَغُوا إلى حَدِّ أَنْ يُذَمُّوا.
سَوَّلَ لِأَحَدِهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَقْعَدَهُ عَنْ تَنْظِيفِ بَدَنِهِ وَثَوْبِهِ بِقَوْلِهِ: نَظِّفْ قَلْبَكَ قَبْلَ ثَوْبِكَ، لَا لِنُصْحِهِ بَلْ لِتَخْذِيلِهِ عَنِ امْتِثَالِ أَوَامِرِ اللهِ تعالى وَرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَإِقْعَادِهِ عَنِ القِيَامِ بِحَقِّ جَلِيسِهِ وَمَجَامِعِ الجَمَاعَةِ المَطْلُوبِ فِيهَا النَّظَافَةِ؛ وَلَوْ حَقَّقَ المُسْلِمُ لَوَجَدَ أَنَّ نَظَافَةَ الظَّاهِرِ تُعِينُ عَلَى نَظَافَةِ البَاطِنِ، وَلِذَلِكَ وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتَّسِخْ لَهُ ثَوْبٌ قَطُّ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |