السؤال :
هل ورد في الأحاديث الشريفة ما يحرض الأمة على الدعاء ليلة النصف من شعبان؟ وما حكم الدعاء الذي يتداوله الناس المسلمون في هذه الليلة، الذي يبدأ بياذا المن ولا يمن عليه؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 9619
 2019-04-18

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

 أولاً: لَقَدْ وَرَدَ بَعْضُ الأَحَادِيثِ في فَضْلِ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، صَحَّحَ بَعْضُ العُلَمَاءِ بَعْضَاً مِنْهَا، وَضَعَّفَهَا آخَرُونَ، وَإِنْ أَجَازُوا الأَخْذَ بِهَا في فَضَائِلِ الأَعْمَالِ؛ مِنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ:

مَا رواه الإمام أحمد وابن ماجه والترمذي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: فَقَدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً فَخَرَجْتُ، فَإِذَا هُوَ بِالبَقِيعِ، فَقَالَ: «أَكُنْتِ تَخَافِينَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ».

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّكَ أَتَيْتَ بَعْضَ نِسَائِكَ.

فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَغْفِرُ لِأَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ شَعْرِ غَنَمِ كَلْبٍ».

وَمَا رواه البيهقي أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ يُصَلِّي فَأَطَالَ السُّجُودَ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ قُبِضَ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ قُمْتُ حَتَّى حَرَّكْتُ إِبْهَامَهُ فَتَحَرَّكَ، فَرَجَعْتُ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ، وَفَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، قَالَ: «يَا عَائِشَةُ أَوْ يَا حُمَيْرَاءُ، ظَنَنْتِ أَنَّ النَّبِيَّ خَاسَ بِكِ؟».

قُلْتُ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَكِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّكَ قُبِضْتَ لِطُولِ سُجُودِكَ.

فَقَالَ: «أَتَدْرِينَ أَيَّ لَيْلَةٍ هَذِهِ؟».

قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.

قَالَ: «هَذِهِ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَطْلُعُ عَلَى عِبَادِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِلْمُسْتَغْفِرِينَ، وَيَرْحَمُ المُسْتَرْحِمِينَ، وَيُؤَخِّرُ أَهْلَ الحِقْدِ كَمَا هُمْ».

وَمَا رواه ابن ماجه عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا، فَإِنَّ اللهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: أَلَا مِنْ مُسْتَغْفِرٍ لِي فَأَغْفِرَ لَهُ، أَلَا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ، أَلَا مُبْتَلَىً فَأُعَافِيَهُ، أَلَا كَذَا أَلَا كَذَا، حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ».

هَذِهِ الأَحَادِيثُ الشَّرِيفَةُ، وَإِنْ ضَعَّفَهَا بَعْضُ العُلَمَاءِ، يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لِلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَضْلٌ، وَلَيْسَ هُنَاكَ مَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، فَشَهْرُ شَعْبَانَ لَهُ فَضْلُهُ المَعْرُوفُ وَالمَشْهُورُ، روى النسائي والإمام أحمد عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرَاً مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟

قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ العَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ».

ثانياً: الدُّعَاءُ مَرْغُوبٌ فِيهِ في سَائِرِ الأَيَّامِ وَاللَّيَالِي، وَخَاصَّةً في لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ للحَدِيثِ المُتَقَدِّمِ «أَلَا مِنْ مُسْتَغْفِرٍ لِي فَأَغْفِرَ لَهُ، أَلَا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ، أَلَا مُبْتَلَىً فَأُعَافِيَهُ، أَلَا كَذَا أَلَا كَذَا، حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ». فَأَيُّ دُعَاءٍ كَانَ، وَبِأَيِّ صِيغَةٍ كَانَتْ لَا حَرَجَ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى، إِذَا لَمْ يَكُنْ مُعَارِضَاً للكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

ثالثاً: أَمَّا الدُّعَاءُ الذي يَكْثُرُ السُّؤَالُ عَنْهُ في هَذِهِ الأَيَّامِ هُوَ:

اللَّهُمَّ يَا ذَا المَنِّ وَلَا يُمَنُّ عَلَيْهِ، يَا ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ، يَا ذَا الطَّوْلِ وَالإِنْعَامِ، لَا إِلَهَ إلا أَنْتَ، ظَهْرَ اللَّاجِئِينَ، وَجَارَ المُسْتَجِيرِينَ، وَمَأْمَنَ الخَائِفِينَ؛ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ كَتَبْتَنَا عِنْدَكَ في أُمِّ الكِتَابِ أَشْقِيَاءَ أَو مَحْرُومِينَ أَو مَطْرُودِينَ أَو مُقَتَّرَاً عَلَيْنَا في الرِّزْقِ، فَامْحُ اللَّهُمَّ بِفَضْلِكَ شَقَاوَتَنَا وَحِرمَانَنَا وَطَرْدَنَا وَإِقْتَارَ رِزْقِنَا، وَأَثْبِتْنَا عِنْدَكَ في أُمِّ الكِتَابِ سُعَدَاءَ مَرْزُوقِينَ مُوَفَّقِينَ لِلْخَيْرَاتِ، فَإِنَّكَ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الحَقُّ في كِتَابِكَ المُنْزَلِ، على قَلْبِ نَبِيِّكَ المُرْسَلِ: ﴿يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتَابِ﴾.

إِلَهنَا بالتَّجَلِي الأَعْظَمِ، في لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ شَعْبَانَ المُعَظَّمِ، التي يُفْرَقُ فِيهَا كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ وَيُبْرَمُ، نَسْأَلُكَ أَنْ تَكْشِفَ عَنَّا مِنَ البَلَاءِ وَالغَلَاءِ وَالوَبَاءِ مَا نَعْلَمُ، وَمَا لَا نَعْلمُ، وَمَا أَنْتَ بِهِ أَعْلَمُ، إِنَّكَ أَنْتَ الأَعَزُّ الأَكْرَمُ.

هَذَا الدُّعَاءُ لَمْ يَرِدْ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبَعْضُ العُلَمَاءِ نَسَبَهُ إلى سَيِّدِنَا عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَبَعْضُهُمْ لِسَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَاللهُ تعالى أَعْلَمُ بِصِحَّةِ نِسْبَتِهِ إِلَيْهِمَا.

إِلَّا أَنَّهُ يُعْتَرَضُ عَلَى نُقْطَتَيْنِ مُهِمَّتَيْنِ فِيهِ: الأُولَى: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ كَتَبْتَنَا عِنْدَكَ في أُمِّ الكِتَابِ أَشْقِيَاءَ أَو مَحْرُومِينَ أَو مَطْرُودِينَ أَو مُقَتَّرَاً عَلَيْنَا في الرِّزْقِ.

لِأَنَّ مَا كُتِبَ في اللَّوْحِ المَحْفُوظِ هُوَ قَضَاءٌ مُبْرَمٌ، لِذَلِكَ الأَوْلَى تَجَاوُزُ هَذِهِ العِبَارَةِ، وَلْتَكُنْ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ كَتَبْتَنَا عِنْدَكَ أَشْقِيَاءَ أَو مَحْرُومِينَ أَو مَطْرُودِينَ أَو مُقَتَّرَاً عَلَيْنَا في الرِّزْقِ؛ بِدُونِ عِبَارَةِ: في أُمِّ الكِتَابِ.

الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: إِلَهنَا بالتَّجَلِي الأَعْظَمِ، في لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ شَعْبَانَ المُعَظَّمِ، التي يُفْرَقُ فِيهَا كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ وَيُبْرَمُ؛ فَهَذَا لَيْسَ صَحِيحَاً، لِأَنَّ اللَّيْلَةَ التي يُفْرَقُ فِيهَا كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ وَيُبْرَمُ هِيَ لَيْلَةُ القَدْرِ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾. وَهَذِهِ اللَّيْلَةُ هِيَ لَيْلَةُ القَدْرِ؛ لِذَلِكَ يَجِبُ تَجَاوُزُهَا.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَالأَحَادِيثُ التي وَرَدَتْ في لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ ضَعِيفَةٌ وَيُعْمَلُ بِهَا في فَضَائِلِ الأَعْمَالِ، وَالدُّعَاءُ لَا حَرَجَ فِيهِ بِحَذْفِ العِبَارَتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَشَرْنَا إِلَيْهِمَا. هذا، والله تعالى أعلم.