السؤال :
ما تفسير قول الله تعالى حكاية عن الرجل المؤمن: ﴿قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ المُكْرَمِينَ﴾؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 9633
 2019-05-03

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَهَذَا الرَّجُلُ الصَّالِحُ الذي يُقَالُ عَنِ اسْمِهِ حَبِيبٌ النَّجَّارُ، قَالَ لِقَوْمِهِ: ﴿يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا المُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرَاً وَهُمْ مُهْتَدُونَ * وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئَاً وَلَا يُنْقِذُونِ * إِنِّي إِذَاً لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ﴾.

عِنْدَمَا قَالَ هَذَا الكَلَامَ قَتَلُوهُ، وَكَانَ بِذَلِكَ شَهِيدَاً، فَقِيلَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ: ادْخُلِ الجَنَّةَ؛ تَكْرِيمَاً لَهُ بِدُخُولِهَا بَعْدَ قَتْلِهِ، كَمَا هِيَ سُنَّةُ اللهِ تعالى في الشُّهَدَاءِ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتَاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾. فَلَمَّا عَايَنَ نَعِيمَهَا ﴿قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ المُكْرَمِينَ﴾. وَهَذَا مَا وَرَدَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ».

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَهَذَا العَبْدُ الصَّالِحُ تَمَنَّى أَنْ يَعْلَمَ قَوْمُهُ بِحَالِهِ لِيَعْلَمُوا حُسْنَ مَآلِهِ، وَحَمِيدَ عَاقِبَتِهِ؛ أَو تَمَنَّى ذَلِكَ لِيُؤْمِنُوا مِثْلَ إِيمَانِهِ، فَيَصِيرُوا إلى مَا صَارَ إِلَيْهِ.

وَيَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: نَصَحَ قَوْمَهُ حَيَّاً وَمَيْتَاً؛ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى شَفَقَةِ وَرَحْمَةِ المُؤْمِنِ بِغَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يُؤْمِنْ. هذا، والله تعالى أعلم.