السؤال :
كَيْفَ نُوَفِّقُ بَيْنَ قَوْلِهِ تعالى حِكَايَةً عَنْ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عِنْدَمَا خَاطَبَ قَوْمَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾. وَبَيْنَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوَاً بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 9740
 2019-06-13

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَوْلُهُ تعالى حِكَايَةً عَنْ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عِنْدَمَا خَاطَبَ قَوْمَهُ: ﴿أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾. هَذَا شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا؛ هذا أولاً.

ثانياً: روى الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ، دَخَلَ عَلَيْهِ رَهْطٌ مِنْ قُرَيْشٍ، مِنْهُمْ أَبُو جَهْلٍ، فَقَالُوا: يَا أَبَا طَالِبٍ، ابْنُ أَخِيكَ يَشْتِمُ آلِهَتَنَا، يَقُولُ وَيَقُولُ، وَيَفْعَلُ وَيَفْعَلُ، فَأَرْسِلْ إِلَيْهِ فَانْهَهُ، قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَبُو طَالِبٍ، وَكَانَ قُرْبَ أَبِي طَالِبٍ مَوْضِعُ رَجُلٍ، فَخَشِيَ إِنْ دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَمِّهِ أَنْ يَكُونَ أَرَقَّ لَهُ عَلَيْهِ، فَوَثَبَ، فَجَلَسَ فِي ذَلِكَ المَجْلِسِ، فَلَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يَجِدْ مَجْلِسَاً إِلَّا عِنْدَ البَابِ فَجَلَسَ، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: يَا ابْنَ أَخِي، إِنَّ قَوْمَكَ يَشْكُونَكَ، يَزْعُمُونَ أَنَّكَ تَشْتِمُ آلِهَتَهُمْ، وَتَقُولُ وَتَقُولُ، وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ.

فَقَالَ: «يَا عَمِّ، إِنِّي إِنَّمَا أُرِيدُهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، تَدِينُ لَهُمْ بِهَا العَرَبُ، وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمْ بِهَا الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ».

قَالُوا: وَمَا هِيَ؟ نَعَمْ وَأَبِيكَ عَشْرَاً.

قَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ».

هَذَا يُفِيدُ أَنَّ آلِهَةَ المُشْرِكِينَ كَانَتْ تُذْكَرُ بِسُوءٍ وَبِشَرٍّ بِدَايَةً، وَمَا كَانَ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ يَجْتَرِئُ عَلَى مُقَابَلَةِ هَذَا بِسَبِّ اللهِ تعالى، حَتَّى جَاءَ أَبُو جَهْلٍ وَقَالَ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:لَتَتْرُكَنَّ سَبَّ آلِهَتِنَا، أَوْ لَنَسُبَّنَّ إلَهَكَ الَّذِي تَعْبُدُ ، كَمَا رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ قَالَ أَبُو جَهْلٍ بْنِ هِشَامٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: وَاللهِ يَا مُحَمَّدُ، لَتَتْرُكَنَّ سَبَّ آلِهَتِنَا، أَوْ لَنَسُبَّنَّ إلَهَكَ الَّذِي تَعْبُدُ؛ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِ: ﴿وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوَاً بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾. فَذُكِرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَفَّ عَنْ سَبِّ آلِهَتِهِمْ، وَجَعَلَ يَدْعُوهُمْ إلَى اللهِ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَفِي شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا، وَبِدَايَةِ شَرْعِنَا، كَانَتْ تُذَمُّ الآلِهَةُ التي تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ تعالى، ثُمَّ نُهِيَتْ أُمَّتُنَا عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوَاً بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾.

وَحُكْمُ هَذِهِ الآيَةٍ بَاقٍ في هَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَخَاصَّةً إِذَا كَانَ الكَافِرُ في مَنَعَةٍ وَخِيفَ أَنْ يَسُبَّ الإِسْلَامَ، أَو النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَو اللهَ عَزَّ وَجَلَّ.

فَاللهُ تَبَارَكَ وتعالى نَهَى عَنْ سَبِّ آلِهَةِ الكُفَّارِ لِئَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلى سَبِّ اللهِ تعالى، كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِرْعَوْنُ هَذِهِ الأُمَّةِ بِقَوْلِهِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: لَتَتْرُكَنَّ سَبَّ آلِهَتِنَا، أَوْ لَنَسُبَّنَّ إلَهَكَ الَّذِي تَعْبُدُ.

فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الآيَتَيْنِ. هذا، والله تعالى أعلم.