السؤال :
مَا حُكْمُ أَخْذِ المَعُونَةِ مِنَ الدُّوَلِ الكَافِرَةِ لِرَجُلٍ يَسْتَطِيعُ العَمَلَ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 9836
 2019-07-21

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: الإِنْسَانُ المُؤْمِنُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَزِيزَاً بِإِيمَانِهِ، عَزِيزَ النَّفْسِ، مُسْتَغْنِيَاً بِمَالِهِ، مُتَرَفِّعَاً عَمَّا في أَيْدِي النَّاسِ.

روى الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ ـ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَهُوَ يَذْكُرُ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ عَنِ المَسْأَلَةِ ـ: «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا المُنْفِقَةُ، وَالسُّفْلَى السَّائِلَةُ».

وروى ابن ماجه والحاكم عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَعَظَ رَجُلَاً فَقَالَ: «ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبُّكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبُّكَ النَّاسُ».

ثانياً: لَقَدْ جَاءَ الشَّرْعُ الشَّرِيفُ بِالحَثِّ عَلَى طَلَبِ الرِّزْقِ، وَمَدَحَ مَنْ يَعْمَلُ بِيَدِهِ، قَالَ تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولَاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ﴾.

وروى الإمام البخاري عَنِ المِقْدَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامَاً قَطُّ خَيْرَاً مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ».

وروى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدَاً، فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ»

وَجَاءَ في بَعْضِ كُتُبِ التَّفَاسِيرِ: رَأَى عُمَرُ رَجُلَاً مُتَمَاوِتَاً، فَقَالَ لَهُ: لَا تُمِتْ عَلَيْنَا دِينَنَا، أَمَاتَكَ اللهُ.

وَرَأَى رَجُلَاً مُطَأْطِئَاً رَأْسَهُ، فَقَالَ لَهُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ، فَإِنَّ الإِسْلَامَ لَيْسَ بِمَرِيضٍ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَالأَكْرَمُ وَالأَعَزُّ وَالأَفْضَلُ في حَقِّ الإِنْسَانِ المُؤْمِنِ أَنْ لَا يَمُدَّ يَدَهُ لِشَخْصٍ، أَو لِجِهَةٍ (مَا) حَتَّى يَأْخُذَ المَعُونَةَ وَالمَالَ إِذَا كَانَ قَادِرَاً عَلَى الكَسْبِ وَالعَمَلِ.

كَمَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ أَخْذَ زَكَاةِ أَمْوَالِ النَّاسِ لِمَنْ كَانَ قَادِرَاً عَلَى الكَسْبِ وَلَمْ يَعْمَلْ لَا يَجُوزُ شَرْعَاً، روى الترمذي وأبو داود عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ».

أَمَّا إِذَا كَانَ الإِنْسَانُ عَاجِزَاً وَمُضْطَرَّاً، وَكَانَ دَخْلُهُ لَا يَكْفِيهِ فَلَا حَرَجَ مِنْ أَخْذِ المَعُونَةِ، إِذَا كَانَتِ الشُّرُوطُ تَنْطَبِقُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُهَا، وَخَاصَّةً في دُوَلِ الكُفَّارِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ حَرِيصَاً عَلَى إِعْطَاءِ صُورَةٍ حَسَنَةٍ عَنْ دِينِهِ. هذا، والله تعالى أعلم.