السؤال :
قَلْبِي تَعَلَّقَ بِفَتَاةٍ، وَأُرِيدُ الزَّوَاجَ مِنْهَا، وَلَكِنَّ أَهْلَهَا يَرْفُضُونَ زَوَاجِي مِنْهَا بِسَبَبِ الفَارِقِ الاجْتِمَاعِيِّ بَيْنَنَا، وَقَدْ ضَاقَ صَدْرِي مِنْ هَذَا الرَّفْضِ، حَتَّى أَصْبَحْتُ أُفَكِّرُ بِالانْتِحَارِ، وَامْتَنَعْتُ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، فَمَا هِيَ نَصِيحَتُكَ لِي؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 9903
 2019-08-24

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمَاً * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانَاً وَظُلْمَاً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارَاً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرَاً﴾.

وَالإِنْسَانُ المُؤْمِنُ الحَقُّ، الذي آمَنَ بِأَنَّ القَدَرَ مِنَ اللهِ تعالى، وَآمَنَ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾. وَآمَنَ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾. الذي آمَنَ هَذَا الإِيمَانَ لَا يُفَكِّرُ فَضْلَاً عَنْ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى الانْتِحَارِ، لِأَنَّهُ يَعْلَمُ عِلْمَاً يَقِينِيَّاً أَنَّ عَاقِبَتَهُ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدَاً فِيهَا، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدَاً مُخَلَّدَاً فِيهَا أَبَدَاً، وَمَنْ تَحَسَّى سُمَّاً فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدَاً مُخَلَّدَاً فِيهَا أَبَدَاً، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدَاً مُخَلَّدَاً فِيهَا أَبَدَاً».

ثانياً: إِنَّ الامْتِنَاعَ عَنِ الطَّعَامِ وَالإِضْرَابَ عَنْهُ حَتَّى يَصِلَ الإِنْسَانُ إلى دَرَجَةِ المَوْتِ هُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الانْتِحَارِ وَالقَتْلِ المُتَعَمَّدِ للنَّفْسِ، وَكَيْفَ يُقْدِمُ الإِنْسَانُ المُؤْمِنُ الذي يُؤْمِنُ بِاللهِ تعالى وَاليَوْمِ الآخِرِ عَلَى الإِضْرَابِ عَنِ الطَّعَامِ وَيُعَذِّبُ نَفْسَهُ لِيَنْتَقِلَ بَعْدَ ذَلِكَ إلى عَذَابٍ أَشَدَّ وَأَنْكَى وَأَطْوَلَ في نَارِ جَهَنَّمَ؟

إِنَّ هَذَا الفِعْلَ لَا يَقُومُ بِهِ إِنْسَانٌ عَاقِلٌ فَضْلَاً عَنِ الإِنْسَانِ المُؤْمِنِ بِاللهِ تعالى وَاليَوْمِ الآخِرِ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَأَنْصَحُكَ للهِ تعالى بِأَنْ تَزِيدَ في إِيمَانِكَ، وَذَلِكَ بِكَثْرَةِ تِلَاوَةِ القُرْآنِ العَظِيمِ، وَكَثْرَةِ ذِكْرِ اللهِ تعالى، مَعَ كَثْرَةِ الاسْتِغْفَارِ، وَأَنْ تُكْثِرَ مِنَ الدُّعَاءِ بَأْنْ يُهَيِّئَ لَكَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَمْرِكَ رَشَدَاً.

وَكُنْ عَلَى يَقِينٍ أَنَّ زَوَاجَكَ مِنْ هَذِهِ الفَتَاةِ لَو كَانَ خَيْرَاً لَقَدَّمَهُ اللهُ إِلَيْكَ وَيَسَّرَ أَسْبَابَهُ، وَلَكِنْ كُنْ عَلَى يَقِينٍ أَنَّهُ شَرٌّ في حَقِّكَ، وَتَذَكَّرْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئَاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرَاً كَثِيرَاً﴾.

فَيَا أَخِي الكَرِيمَ، النِّسَاءُ كَثِيرٌ، فَاسْأَلِ اللهِ تعالى أَنْ يُهَيِّئَ لَكَ زَوْجَةً صَالِحَةً إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهَا سَرَّتْكَ، وَإِذَا أَمَرْتَهَا أَطَاعَتْكَ، وَإِذَا غِبْتَ عَنْهَا حَفِظَتْكَ؛ وَاتْرُكْ مُرَادَكَ لِمُرَادِ اللهِ تعالى فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. هذا، والله تعالى أعلم.