143ـ مع الحبيب المصطفى: «إِنَّ رِجَالاً يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللهِ بِغَيْرِ حَقٍّ»

 

 مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

143ـ «إِنَّ رِجَالاً يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللهِ بِغَيْرِ حَقٍّ»

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: في خَوَاتِيمِ سُورَةِ البَقَرَةِ حَرَّضَ اللهُ تعالى عِبَادَهُ على الصَّدَقَاتِ، فقال: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرَّاً وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.

ثمَّ أعقَبَ ذلكَ بِتَحرِيمِ الرِّبا، وَوَصَفَ المُرَابِينَ بِقَولِهِ تعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾. ورَحمَةً مِنهُ تعالى بِعِبَادِهِ حَرَّمَ عَلَيهِمُ الرِّبا بأُسلُوبٍ فِيهِ تَرهِيبٌ شَدِيدٌ، فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ﴾.

ثمَّ أعقَبَ ذلكَ بالدَّعوَةِ إلى العَفوِ عن المُعسِرِ، والتَّصَدُّقِ عَلَيهِ بإسقَاطِ الدَّينِ كُلِّهِ، أو جُزءٍ مِنهُ، فقال تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: حتَّى لا يَتَبَادَرَ إلى الذِّهنِ أنَّ المَالَ لا شَأنَ ولا قِيمَةَ لَهُ عِندَ الإنسانِ، أعقَبَ اللهُ عزَّ وجلَّ تِلكَ الآيَاتِ بآيَتَيِ المُدَايَنَةِ، وهُما أطوَلُ آيتَينِ في كِتَابِ الله عزَّ وجلَّ، لِيُعطِيَ المَالَ حَقَّهُ، ويَرفَعَ من شَأنِهِ، لأنَّهُ قِوَامُ الحَيَاةِ المَعِيشِيَّةِ للبَشَرِ، فأرشَدَ عِبَادَهُ إلى تَوثِيقِ الدَّينِ بالكِتَابَةِ والشَّهَادَةِ أو بالرِّهَانِ المَقبُوضَةِ، ونَهَى نَهْياً جَازِماً الشُّهُودَ عن كِتمانِ الشَّهَادَةِ بقَولِهِ تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾.

حُقُوقُ العِبَادِ مَبنِيَّةٌ على التَّضْيِيقِ والمُشَاحَّةِ:

أيُّها الإخوة الكرام: الإسلامُ حَرَصَ كُلَّ الحِرصِ على الحُقُوقِ المَالِيَّةِ بَينَ العِبَادِ، حتَّى قَرَّرَ العُلَماءُ القَاعِدَةَ المَشهُورَةَ على الألسُنِ: حُقُوقُ العِبَادِ مَبنِيَّةٌ على التَّضْيِيقِ والمُشَاحَّةِ، وحُقُوقُ اللهِ مَبنِيَّةٌ على التَّيسِيرِ والمُسَامَحَةِ، وذلكَ استِنَاداً لآياتٍ كَريمَةٍ، وأحادِيثَ شَرِيفَةٍ.

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً﴾. وقال تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾. وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً﴾.

وروى الإمام البخاري عَنْ خَوْلَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ رِجَالاً يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

وروى الترمذي عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أُعِيذُكَ باللهِ يَا كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ مِنْ أُمَرَاءَ يَكُونُونَ مِنْ بَعْدِي، فَمَنْ غَشِيَ أَبْوَابَهُمْ فَصَدَّقَهُمْ فِي كَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ وَلَا يَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ، وَمَنْ غَشِيَ أَبْوَابَهُمْ أَوْ لَمْ يَغْشَ فَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ فِي كَذِبِهِمْ وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ وَسَيَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ.

يَا كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ، الصَّلَاةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ حَصِينَةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ.

يَا كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ، إِنَّهُ لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ».

ثمَّ بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَفَشِّيَ أكلِ الحَرامِ في آخِرِ الزَّمانِ بِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِي الْمَرْءُ بِمَ أَخَذَ الْمَالَ، أَمِنْ حَلَالٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ». رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

التَّحذِيرُ من التَّهَاوُنِ في أدَاءِ الدَّينِ:

أيُّها الإخوة الكرام: الإسلامُ دِينُ الكَمَالِ والإتمَامِ، ولا يَستَطِيعُ أحَدٌ من الخَلْقِ أن يَستَدرِكَ عَلَيهِ أبَداً، فَعِندَما حَرَّمَ الإسلامُ القَرضَ الرِّبَوِيَّ الذي يَمحَقُ المَالَ، وحَرَّضَ على القَرضِ الحَسَنِ الذي يُنَمِّي المَالَ، حَذَّرَ كُلَّ الحَذَرِ من التَّهَاوُنِ في أدَاءِ الدَّينِ، أو المُمَاطَلَةِ فِيهِ، أو التَّأخِيرِ في قَضَائِهِ، أو التَّسَاهُلِ وعَدَمِ الاكتِرَاثِ في أدَائِهِ.

الدَّينُ في ذِمَّةِ المَدِينِ أمَانَةٌ عَظِيمَةٌ، ومَسؤولِيَّةٌ كَبِيرَةٌ وخَطِيرَةٌ في نَظَرِ الإسلامِ، لذلكَ قال تعالى آمِراً: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾. وقال تعالى: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: لقد حَذَّرَ سَيِّدُنا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الأُمَّةَ من التَّهَاوُنِ بِسَدَادِ الدَّينِ.

أولاً: الدَّينُ مُستثنَىً من قَاعِدَةِ مُكَفِّرَاتِ الذُّنُوبِ:

أيُّها الإخوة الكرام: جَاءَ التَّشدِيدُ من الشَّرعِ في التَّهَاوُنِ بِسَدَادِ الدُّيُونِ، وذلكَ بِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللهِ يُكَفِّرُ كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا الدَّيْنَ» رواه الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

فالمَدِينُ المُمَاطِلُ والذي لا يَكتَرِثُ بأموالِ النَّاسِ مُستَثنَىً من قَاعِدَةِ مُكَفِّرَاتِ الذُّنُوبِ، ومَاحِيَاتِ الخَطَايا.

وروى الإمام أحمد عن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: كُنَّا جُلُوساً بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ حَيْثُ تُوضَعُ الْجَنَائِزُ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ بَيْنَ ظَهْرَيْنَا.

فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَصَرَهُ قِبَلَ السَّمَاءِ، فَنَظَرَ ثُمَّ طَأْطَأَ بَصَرَهُ، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ ثُمَّ قَالَ: «سُبْحَانَ اللهِ! سُبْحَانَ اللهِ! مَاذَا نَزَلَ مِنْ التَّشْدِيدِ».

قَالَ: فَسَكَتْنَا يَوْمَنَا وَلَيْلَتَنَا، فَلَمْ نَرَهَا خَيْراً حَتَّى أَصْبَحْنَا.

قَالَ مُحَمَّدٌ: فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: مَا التَّشْدِيدُ الَّذِي نَزَلَ؟

قَالَ: «فِي الدَّيْنِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ رَجُلاً قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ عَاشَ، ثُمَّ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ عَاشَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، مَا دَخَلَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَقْضِيَ دَيْنَهُ».

ثانياً: المَدِينُ مُهَدَّدٌ بإتلافِ اللهِ تعالى لَهُ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد حَرَّضَ الشَّرعُ الشَّرِيفُ المَدِينَ على الصِّدْقِ في عَزِيمَةِ الوَفَاءِ، والنِّيَّةِ الطَّيِّبَةِ في القَضَاءِ، وحَذَّرَهُ من النِّيَّةِ السَّيِّئَةِ عِندَ الاستِقرَاضِ، وذلكَ بِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَهَا يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللهُ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

فاللهُ تعالى مُطَّلِعٌ على نِيَّةِ القَلبِ، فإمَّا أن يُسَهِّلَ عَلَيهِ سَدَادَ الدَّينِ بِنِيَّتِهِ الصَّالِحَةِ، وإمَّا أن يُتلِفَ مَالَ المَدِينِ المُخَادِعِ، أو يَمحَقَ بَرَكَةَ المَالِ، ثمَّ يُتلِفَهُ اللهُ تعالى في الآخِرَةِ ـ والعِياذُ باللهِ تعالى ـ

ثالثاً: المَدِينُ مُعَذَّبٌ في قَبرِهِ حتَّى يُسَدَّدَ عَنهُ دَينُهُ:

أيُّها الإخوة الكرام: المدِينُ الذي يَمُوتُ ولا يَترُكُ وَفَاءً، مُعَذَّبٌ في قَبرِهِ حتَّى يُسَدَّدَ عَنهُ دَينُهُ، روى الإمام البخاري عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا.

فَقَالَ: «هَلْ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ؟».

قَالُوا: لَا.

فَصَلَّى عَلَيْهِ.

ثُمَّ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ أُخْرَى فَقَالَ: «هَلْ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ؟».

قَالُوا: نَعَمْ.

قَالَ: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ».

قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: عَلَيَّ دَيْنُهُ يَا رَسُولَ الله، فَصَلَّى عَلَيْهِ.

وفي رِوَايَةِ الحاكم: فَجَعَلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إذا لَقِيَ أبا قَتَادَةَ يَقولُ: «ما صَنَعَتِ الدِّينَارَانِ؟»

حتَّى كَانَ آخِرَ ذلكَ قال: قد قَضَيتُهُمَا يا رَسولَ الله.

قال: «الْآنَ حِينَ بَرَدَتْ عَلَيْهِ جِلْدُهُ».

أيُّها الإخوة الكرام: جَاءَ في مُسنَدَِ الإمام أحمد عَنْ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْفَجْرَ فَقَالَ: «هَاهُنَا مِنْ بَنِي فُلَانٍ أَحَدٌ؟ ـ ثَلَاثاً ـ».

فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا.

فَقَالَ: «إِنَّ صَاحِبَكُمْ مَحْبُوسٌ عَن الْجَنَّةِ بِدَيْنِهِ».

وروى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ».

وروى أبو يَعلَى عن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيهَا فقال: «هل عَلَيهِ دَينٌ؟»

قالوا: نَعَم.

فقالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ جِبرِيلَ نَهانِي أن أُصَلِّيَ على رَجُلٍ عَلَيهِ دَينٌ».

وقال: «إنَّ صَاحِبَ الدَّينِ مُرتَهَنٌ في قَبرِهِ، حتَّى يُقضَى عَنهُ دَينُهُ».

فَأَبَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أن يُصَلِّيَ عَلَيهِ.

وفي رِوَايَةٍ للطَّبَرَانِيِّ في الأوسَطِ قالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فما يَنفَعُكُم أن أُصَلِّيَ على رَجُلٍ رُوحُهُ مُرتَهَنٌ في قَبرِهِ، لا يَصعَدُ رُوحُهُ إلى السَّماءِ، فَلَو ضَمِنَ رَجُلٌ دَينَهُ قُمتُ فَصَلَّيتُ عَلَيهِ، فإنَّ صَلاتِي تَنفَعُهُ».

رابعاً: المَدِينُ يَلقَى اللهَ تعالى بأعظَمِ الذُّنُوبِ:

أيُّها الإخوة الكرام: المَدِينُ إذا مَاتَ وعَلَيهِ دَينٌ، ولم يَترُكْ قَضَاءً يَلقَى اللهَ تعالى بأعظَمِ الذُّنُوبِ، روى الإمام أحمد وأبو داود عن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ أَعْظَمَ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللهِ أَنْ يَلْقَاهُ بِهَا عَبْدٌ بَعْدَ الْكَبَائِرِ الَّتِي نَهَى اللهُ عَنْهَا، أَنْ يَمُوتَ رَجُلٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَدَعُ لَهُ قَضَاءً».

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: الدَّينُ هَمٌّ باللَّيلِ، وذُلٌّ في النَّهَارِ، وسَبَبٌ لإفلاسِ العَبدِ يَومَ القِيَامَةِ، وصَاحِبُهُ غَيرُ دَاخِلٍ في المَغفِرَةِ بِشَكلٍ عَامٍّ، ولو أدَّى العِبَاداتِ العَظَيمَةَ.

فَعَلى المُسلِمِ أن يَتَّقِيَ اللهَ تعالى في أموالِ النَّاسِ، وأن يَتَجَنَّبَ الدَّينَ ما استَطَاعَ إلى ذلكَ سَبِيلاً، ومن خَادَعَ النَّاسَ في أموالِهِم، فهوَ في الحَقِيقَةِ لا يَخدَعُ إلا نَفسَهُ، وسَوفَ يَرَى آثارَ ذلكَ عَاجِلاً أم آجِلاً.

اللَّهُمَّ أغنِنا بِحَلالِكَ عن حَرَامِكَ، وبِطَاعَتِكَ عن مَعصِيَتِكَ، وبِفَضْلِكَ عمَّن سِوَاكَ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 21/شعبان/1435هـ، الموافق: 19/حزيران/ 2014م