16ـ دروس رمضانية 1435هـ: (حسرة أتباع الشيطان)

 

 16ـ دروس رمضانية 1435هـ: (حسرة أتباع الشيطان)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: لقد قَلَّ الاهتِمَامُ والعِنَايَةُ بِمَسأَلَةِ الأمرِ بالمَعرُوفِ والنَّهْيِ عن المُنكَرِ، وبالوَعْظِ والتَّذكِيرِ، حتَّى ضَعُفَ الإيمَانُ في قُلُوبِ بَعضِ النَّاسِ، وطَالَ عَلَيهِمُ الأَمَدُ، وسَيَطرَتِ القَسوَةُ على القُلُوبِ، حتَّى صَارَ بَعضُهَا كالحِجَارَةِ أو أَشَدَّ قَسوَةً.

أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَرَّمَنَا اللهُ تعالى بِدِينٍ مَيَّزَنَا بِهِ على سَائِرِ الأُمَمِ، وجَعَلَنَا بِهِ خَيرَ الأُمَمِ، وجَعَلَهُ سِرَّ بَقَائِنَا وعِزِّنَا في هذهِ الحَيَاةِ الدُّنيا، ولكنَّ البَعضَ شُغِلَ بالمَظهَرِ عن الجَوهَرِ، وبالقَالَبِ عن القَلبِ، وبالمَبنَى عن المَعنَى، حتَّى صَارَ اللَّهْوُ عِندَ البَعضِ دِينَاً، والدِّينُ لَهْوَاً، والعِيَاذُ باللهِ تعالى.

لذلكَ كَانَ لِزَامَاً عَلَينَا أن نَقِفَ على بَعضِ المَشَاهِدِ من يَومِ الحَسْرَةِ، الذي قَالَ تعالى فِيهِ: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾. إنذَارٌ وإخبَارٌ عن يَومٍ يَجمَعُ اللهُ تعالى فِيهِ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ في مَوقِفٍ وَاحِدٍ، يُسأَلُونَ عن أعمَالِهِم، فمن آمَنَ واتَّبَعَ سَعِدَ سَعَادَةً لا شَقَاوَةَ بَعدَهَا أَبَدَاً، ومن تَمَرَّدَ وعَصَى شَقِيَ شَقَاوَةً لا سَعَادَةَ بَعدَهَا أَبَدَاً، لَعَلَّ ذلكَ يُقَوِّي إيمَانَنَا، ويُلَيِّنُ قُلوبَنَا.

أيُّها الإخوة الكرام: أيُّ حَسْرَةٍ أعظَمُ من فَوَاتِ رِضَا اللهِ تعالى؟ أيُّ حَسْرَةٍ أعظَمُ من حِرمَانِ العَبدِ من دُخُولِ الجَنَّةِ؟ أيُّ حَسْرَةٍ أعظَمُ من استِحقَاقِ غَضَبِ اللهِ عزَّ وجلَّ ودُخُولِ نَارِهِ؟ أيُّ حَسْرَةٍ أعظَمُ من عَدَمِ التَّمكِينِ منَ الرُّجُوعِ إلى الدُّنيا لِيُستَأنَفَ فِيهَا العَمَلُ؟

أيُّها الإخوة الكرام: لِيَسمَعْ شَبَابُنَا وشَابَّاتُنَا حَسْرَةَ المُتَحَسِّرِينَ يَومَ القِيَامَةِ عِندَمَا فَرَّطُوا في طَاعَةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، قال تعالى عن الذينَ انصَرَمَ عُمُرُهُمُ القَصِيرُ في الرَّكْضِ خَلفَ الأهوَاءِ والشَّهَوَاتِ، وخَلفَ الدُّنيا من غَيرِ مُبَالاةٍ من حَلالٍ أم من حَرَامٍ، مَعَ نِسيَانِهِمُ الآخِرَةَ وأهوَالَهَا: ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾. فالسَّعِيدُ مَن سَمِعَ وَعَمِلَ بِقَولِهِ تَعالى: ﴿وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾.

حَسْرَةُ أتبَاعِ الشَّيطَانِ:

أيُّها الإخوة الكرام: من أعظَمِ أسبَابِ الخَسَارَةِ وضَعْفِ الدِّينِ مُجَالَسَةُ أتبَاعِ الشَّيطَانِ، كَم وكَم من شَبَابِنَا وشَابَّاتِنَا من انسَاقُوا خَلفَ وَسْوَسَةِ الشَّياطِينِ، فَقَادُوهُم إلى الرَّذِيلَةِ، وصَدُّوهُم عن الفَضِيلَةِ؟ هؤلاءِ سَوفَ يَندَمُونَ ولا يَنفَعُهُمُ النَّدَمُ.

خُذُوا هذا المَشهَدَ من مَشَاهِدِ يَومِ القِيَامَةِ، حَيثُ تَبلُغُ الحَسْرَةُ ذِروَتَهَا، وتَتَنَاهَى الحَسْرَةُ عِندَ أَهلِ الضَّلالِ، عِندَمَا يَتَبَرَّأُ مِنهُم منِ اتَّبَعُوهُم الذِينَ أَضَلُّوهُم، لأنَّهُ ما في النَّارِ أَحَدٌ إلا وقد أَضَلَّهُ أَحَدُ الضَّالِّينَ، والذي أَضَلَّ النَّاسَ كُلَّهُم من البِدَايَةِ هوَ إبلِيسُ، كما أخبَرَنَا رَبُّنَا عزَّ وجلَّ عَنهُ بِقَولِهِ: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾. اللَّهُمَّ اجعَلنَا من عِبَادِكَ المُخلَصِينَ الذينَ لا سَبِيلَ للشَّيطَانِ عَلَيهِم أَبَدَاً، ومن الذينَ استثنَيتَهُم فِي قَولِكَ: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

إبلِيسُ يَتَبَرَّأُ من أتبَاعِهِ يَومَ القِيَامَةِ:

أيُّها الإخوة الكرام: أَوَّلُ من يَتَبَرَّأُ من أتبَاعِهِ يَومَ القِيَامَةِ إبلِيسُ، قال تعالى: ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: كَلامُ إبلِيسَ لأتبَاعِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ هوَ أعظَمُ عَذَابٍ لَهُم، لقد رَكِبَهُمُ الشَّيطَانُ في الدُّنيا، وسَاقَهُم إلى حَتْفِهِم من خِلالِ الشَّهَوَاتِ والغِوَايَاتِ، حتَّى إذا وَقَعُوا جَمِيعاً في نَارِ جَهَنَّمَ يَقُولُ لَهُم: مَن أَمَرَكُم أن تُطِيعُونِي؟ أَلَمْ يَقُلْ لَكُم مَولاكُم عزَّ وجلَّ: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾؟

يَقُولُ لَهُم: هل كَانَ لِيَ عَلَيكُم سُلطَانُ عِلمٍ أم سُلطَانُ قُوَّةٍ؟ ما كَانَ لِيَ عَلَيكُم سُلطَانُ عِلمٍ ولا سُلطَانُ قُوَّةٍ، إلا أنْ دَعَوتُكُم فاستَجَبتُمْ لِي، وخَالَفتُم في ذلكَ فِطرَتَكُمُ التي فَطَرَكُمُ اللهُ تعالى عَلَيهَا، وخَالَفتُم نَبِيَّكُم ورَسُولَكُمُ الذي عَرَفتُم صِدْقَهُ، وكَذَّبتُم خَبَرَ رَبِّكُم: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ﴾. وعَصَيتُم أَمْرَ رَبِّكُم: ﴿فَاتَّخِذُوهُ عَدُوَّاً﴾.

يَقُولُ لَهُم: ﴿فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. لقد نَفَضَ يَدَهُ مِنهُم، وهوَ الذي وَعَدَهُم ومَنَّاهُم.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: لِنُجِدَّ أنفُسَنَا لِمُحَارَبَةِ الشَّيطَانِ، ولنَعزِمْ على مُخَالَفَتِهِ، ولنُلزِمْ أنفُسَنَا كِتَابَ اللهِ تعالى لَعَلَّهُ أن يَكُونَ لَنَا نَصِيبٌ وحَظٌّ كما كَانَ لِسَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، روى الإمام البخاري عن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النَّبِيِّ    صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِيهٍ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكاً فَجَّاً إِلَّا سَلَكَ فَجَّاً غَيْرَ فَجِّكَ».

سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنهُ كَانَ من العبَادِ الذينَ تَحَقَّقُوا بالعُبُودِيَّةِ للهِ عزَّ وجلَّ، حتَّى اندَرَجَ تَحتَ قَولِهِ تعالى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾.

نَعَم، الشَّيطَانُ لَهُ سَبِيلٌ على مَن قَالَ اللهُ تعالى فِيهِم: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ﴾.

اللَّهُمَّ احفَظْنَا من شَرِّ شَيَاطِينِ الإنسِ والجِنِّ لِنَكُونَ من الآمِنِينَ يَومَ القِيَامَةِ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 16/ رمضان/1435هـ، الموافق: 14/تموز / 2014م