19ـ دروس رمضانية 1435هـ: (أثر مراقبة الله تعالى في الزوجين)

 

 19ـ دروس رمضانية 1435هـ: (أثر مراقبة الله تعالى في الزوجين)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: عَينُ اللهِ تعالى تُلاحِقُنَا أينَمَا ذَهَبنَا، وفي أَيِّ مَكَانٍ حَلَلنَا، يَرَانَا في الخَلَوَاتِ كما يَرَانَا في الجَلَوَاتِ، ومن استَشعَرَ ذلكَ اتَّقَى اللهَ تعالى ظَاهِرَاً وبَاطِنَاً، وكَانَ بَاطِنُهُ خَيرَاً من ظَاهِرِهِ، ورَحِمَ اللهُ تعالى من قَالَ:

إذَا مَا خَلَوتَ الدهْرَ يَوماً فَلا تَقُل   ***   خَلَوتُ وَلكن قُلْ عَليَّ رَقِيبُ

وَلا تَحْسَـبَـنَّ اللهَ يَـغْـفُـلُ سَـاعَـةً   ***   وَلا أنَّ مَا يَخْفى عَلَـيْـهِ يَغِيبُ

أيُّها الإخوة الكرام: من أسمَاءِ اللهِ تعالى الرَّقِيبُ، فمن آمَنَ بهذا الاسمِ انعَكَسَ هذا الإيمَانُ على سُلُوكِهِ انعِكَاسَاً صَحِيحَاً وَاضِحَاً، وضَبَطَ نَفسَهُ بِضَوَابِطِ الشَّرِيعَةِ، وصَارَ من أَهلِ التَّقوَى، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: من يَستَطِيعُ أن يَكذِبَ وهوَ يَستَحضِرُ قَولَ اللهَ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾؟

من يَستَطِيعُ أن يَسرِقَ وهوَ يَستَحضِرُ قَولَ اللهَ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾؟

من يَستَطِيعُ أن يَزنِيَ وهوَ يَستَحضِرُ قَولَ اللهَ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾؟

من يَستَطِيعُ أن يُؤذِيَ المُؤمِنِينَ والمُؤمِنَاتِ وهوَ يَستَحضِرُ قَولَ اللهَ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾؟

من يَستَطِيعُ أن يُرَوِّعَ المُؤمِنِينَ وهوَ يَستَحضِرُ قَولَ اللهَ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾؟

من يَستَطِيعُ أن يُعَاكِسَ على الهَاتِفِ وهوَ يَستَحضِرُ قَولَ اللهَ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾؟

مُرَاقَبَةُ اللهِ عزَّ وجلَّ وِقَايَةٌ من كُلِّ سُوءٍ:

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ مُرَاقَبَةَ اللهِ عزَّ وجلَّ وِقَايَةٌ من كُلِّ سُوءٍ، لذلكَ كَانَ بَعضُ الصَّالِحِينَ يَقُولُ: اِجعَلْ مُرَاقَبَتَكَ لمن لا تَغِيبُ عن نَظَرِهِ، واجعَلْ شُكرَكَ لمن لا تَنقَطِعُ نِعَمُهُ عَلَيكَ، واجعَلْ طَاعَتَكَ لمن لا تَستَغنِي عَنهُ، واجعَلْ خُضُوعَكَ لمن لا تَخرُجُ عن مُلكِهِ وسُلطَانِهِ.

أيُّها الإخوة الكرام: أَهلُ المُرَاقَبَةِ للهِ عزَّ وجلَّ هُم خِيارُ الخَلْقِ عِندَ اللهِ تعالى، وهُمُ الصَّفْوَةُ المُختَارَةُ من النَّاسِ، وهُم أربَابُ البَصَائِرِ الذينَ يَعلَمُونَ أنَّ اللهَ تعالى بالمِرصَادِ، قال تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرَّاً يَرَهُ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: من أَكرَمَهُ اللهُ تعالى بِمَقَامِ المُرَاقَبَةِ صَارَ عَبدَاً للهِ تعالى حَقَّاً، وأَدَّى حُقُوقَ اللهِ تعالى كما أوجَبَهَا رَبُّنَا عزَّ وجلَّ، وأَدَّى حُقُوقَ العِبَادِ كَامِلَةً غَيرَ مَنقُوصَةٍ، وصَارَ عُضْوَاً نَافِعَاً في مُجتَمَعِهِ، وأَمِنَ النَّاسُ من شَرِّهِ، وَوَقَاهُ اللهُ تعالى من كُلِّ سُوءٍ.

أَثَرُ مُرَاقَبَةِ اللهِ تعالى في الزَّوجَينِ:

أيُّها الإخوة الكرام: مُرَاقَبَةُ اللهِ تعالى تَجعَلُ حَيَاةَ الزَّوجَينِ آمِنَةً مُطمَئِنَّةً، وبِهَا يَصُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنهُمَا عِرضَ الآخَرِ في غَيبَتِهِ، وأمَّا إذا غَابَت مُرَاقَبَةُ اللهِ تعالى عن العَبدِ لِرَبِّهِ فقد حَلَّتِ الطَّامَّةُ والكَارِثَةُ.

اُنظُرُوا في امرَأَةِ العَزِيزِ التي غَابَت عن مُرَاقَبَةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وانظُرُوا إلى سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيهِ السَّلامُ الذي كَانَ يُرَاقِبُ اللهَ تعالى، قال تعالى: ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ﴾. خِيَانَةٌ عَظِيمَةٌ، لأنَّهَا ما رَاقَبَتِ اللهَ تعالى.

فَكَانَ الجَوَابُ من سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيهِ السَّلامُ: ﴿مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾. اِستَعَاذَ باللهِ تعالى، لأنَّهُ يُرَاقِبُهُ ويَخشَاهُ ويَخَافُهُ.

أيُّها الإخوة الكرام: لِيَتَذَكَّرْ شَبَابُنَا وشَابَّاتُنَا حَدِيثَ سَيِّدِنا رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ».  وعَدَّ مِنهُم: «وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ. ورَحِمَ اللهُ تعالى من قَالَ:

وإذا خَـلَـوتَ بِرِيـبَـةٍ في ظُـلمَةٍ   ***   والنَّفسُ دَاعِيَةٌ إلى الطُّغيَانِ

فاستَحْيِ من نَظَرِ الإلَهِ وقُل لَهَا   ***   إنَّ الذي خَلَقَ الظَّلامَ يَرَانِي

تَطَاوَلَ هذا اللَّيلُ واسوَدَّ جَانِبُهُ:

أيُّها الإخوة الكرام: كَم نَحنُ بِحَاجَةٍ إلى مُرَاقَبَةِ اللهِ عزَّ وجلَّ؟ وكَم الأزوَاجُ بِحَاجَةٍ إلى مُرَاقَبَةِ اللهِ عزَّ وجلَّ؟ وكَم الأبنَاءُ والبَنَاتُ بِحَاجَةٍ إلى مُرَاقَبَةِ اللهِ عزَّ وجلَّ؟ واللهِ ما فَسَدَ الأزوَاجُ والأبنَاءُ إلا بِسَبَبِ غَفلَتِهِم عن مُرَاقَبَةِ اللهِ عزَّ وجلَّ.

أينَ نِسَاءُ الأمَّةِ وبَنَاتُهَا اليَومَ من هذهِ الوَاقِعَةِ؟

لِمَا رَوَى أَبُو حَفْصٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ بَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَحْرُسُ الْمَدِينَةَ فَمَرَّ بِامْرَأَةٍ وَهِيَ تَقُولُ:

تَـطَـاوَلَ هَـذَا اللَّيْلُ وَاسْوَدَّ جَانِبُهُ   ***   وَأَرَّقَـنِـي أنْ لَا خَـلِيلَ أُلَاعِبُهُ

فـواللهِ لَــوْلَا اللهُ أَنِّــي أُرَاقــبُــهُ   ***   لَحُرِّكَ مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهُ

فَسَأَلَ عَنْهَا، فَقِيلَ فُلَانَةُ زَوْجُهَا غَائِبٌ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَأَرْسَلَ إلَيْهَا امْرَأَةً تَكُونُ مَعَهَا، وَبَعَثَ إلَى زَوْجِهَا، فَأَقْفَلَهُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ فَقَالَ: بِنِيَّةِ كَمْ تَصْبِرُ الْمَرْأَةُ عَنْ زَوْجِهَا؟

فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ؛ مِثْلُكَ يَسْأَلُ مِثْلِي عَنْ هَذَا.

فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي أُرِيدُ النَّظَرَ لِلْمُسْلِمِينَ مَا سَأَلْتُكِ.

فَقَالَتْ: خَمْسَةَ أَشْهُرٍ سِتَّةَ أَشْهُرٍ.

فَوَقَّتَ لِلنَّاسِ فِي مَغَازِيهِمْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، يَسِيرُونَ شَهْراً، وَيُقِيمُونَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَيَرْجِعُونَ فِي شَهْرٍ.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: كَانَ بَعضُ السَّلَفِ يَقُولُ: زَهَّدَنَا اللهُ وإيَّاكُم في الحَرَامِ زُهْدَ من قَدَرَ عَلَيهِ في الخَلوَةِ، فَعَلِمَ أنَّ اللهَ يَرَاهُ، فَتَرَكَهُ من خَشيَةِ اللهِ جَلَّ في عُلاهُ.

أيُّها الإخوة الكرام: أعظَمُ العِبَادَاتِ على الإطلاقِ مُرَاقَبَةُ اللهِ تعالى في سَائِرِ الأحوَالِ والأوقَاتِ والأزمَانِ، والسَّعِيدُ من اندَرَجَ تَحتَ قَولِ سَيِّدِنا رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِندَمَا سُئِلَ عن الإحسَانِ فَقَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. اللهُ تعالى يَرَانَا، فَكَيفَ يَعصِيهِ العَبدُ وهوَ يَرَاهُ، أمَا خَافَهُ حِينَ يَلقَاهُ؟

اللَّهُمَّ ارزُقنَا الخَشيَةَ مِنكَ يا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 19/ رمضان/1435هـ، الموافق: 17/تموز / 2014م