22ـ دروس رمضانية 1435هـ: (واجبات الداعي إلى الله تعالى) « 2 »

 

 22ـ دروس رمضانية 1435هـ: (واجبات الداعي إلى الله تعالى) « 2 »

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: دَورُ الرُّعَاةِ والدُّعَاةِ دَورٌ كَبِيرٌ ومُهِمٌّ جِدَّاً، فقد حَمَلُوا شَرَفَ الدَّعوَةِ إلى اللهِ تعالى، وتَشَرَّفُوا بِنَصِيبٍ من مِيرَاثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فلا يَلِيقُ بِهِم أن تَكُونَ دَعوَتُهُم لِغَيرِ اللهِ تعالى، رِسَالَتُهُم رِسَالَةُ  صَلاحٍ وإصلاحٍ لِعُمُومِ البَشَرِ.

أيُّها الإخوة الكرام: الدَّاعِي إلى اللهِ تعالى هوَ إنسَانٌ يَتَحَدَّثُ عن الإسلامِ، يُقَرِّبُ النَّاسَ مِنهُ، ويُحَبِّبُهُم فِيهِ، ويُوَجِّهُهُم للعَمَلِ بما يَدعُو إلَيهِ، لذلكَ كَانَ من الوَاجِبِ على كُلِّ راعٍ ودَاعٍ إلى اللهِ تعالى أن يَتَعَلَّمَ وَاجِبَاتِ هذهِ الدَّعوَةِ العَظِيمَةِ، من هذهِ الوَاجِبَاتِ:

رابعاً: الحِلمُ والأَنَاةُ:

أيُّها الإخوة الكرام: يَجِبُ على كُلِّ وَاحِدٍ فِينَا عِندَمَا يَقُومُ بِوَاجِبِ الدَّعوَةِ إلى اللهِ تعالى، من زَوجَةٍ ، أو وَلَدٍ، أو وَالِدٍ، أو صَدِيقٍ، أو رَعِيَّةٍ استَرعَاهُ اللهُ تعالى عَلَيهَا، أن يَتَحَلَّى بِصِفَةِ الحِلمِ والأَنَاةِ، لأنَّ صِفَةَ الحِلمِ والأَنَاةِ تُكسِبُ المَرءَ مَحَبَّةَ اللهِ تعالى ورِضوَانَهُ، ودَلِيلٌ على كَمَالِ العَقلِ، وسَعَةِ الصَّدْرِ، وامتِلاكِ النَّفسِ، وتَعمَلُ على تَآلُفِ القُلُوبِ ونَشْرِ المَحَبَّةِ بَينَ النَّاسِ.

روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ». مَا أَحوَجَ كُلَّ رَاعٍ ودَاعٍ إلى اللهِ تعالى إلى هذا الخُلُقِ العَظِيمِ.

ويَقُولُ لُقمَانُ الحَكِيمُ: ثَلَاثَةٌ لَا يُعْرَفُونَ إِلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ: لَا يُعْرَفُ الْحَلِيمُ إِلَّا عِنْدَ الْغَضَبِ، وَلَا الشُّجَاعُ إِلَّا فِي الْحَرْبِ، وَلَا الْأَخُ إِلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ.

أيُّها الإخوة الكرام: كُلُّنَا دُعَاةٌ إلى اللهِ تعالى على حَسْبِ حَالِ كُلِّ وَاحِدٍ فِينَا، فَلنَتَحَلَّ بِخُلُقِ الحِلمِ والأَنَاةِ، ثمَّ لِنَرتَقِ إلى دَرَجَةِ العَفوِ عن النَّاسِ، وهذا ما رَكَّزَ عَلَيهِ سَيِّدُنَا لُقمَانُ على وَلَدِهِ، كما أخبَرَنَا اللهُ تعالى عَنهُ بِقَولِهِ: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾.

فمن رُزِقَ الحِلمَ والأَنَاةَ تَرَقَّى في دَرَجَاتِ الكَمَالِ، فَيَصِلُ من قَطَعَهُ، ويَعفُو عمَّن ظَلَمَهُ، ويُحسِنُ إلى من أَسَاءَ إلَيهِ، ومن ظَنَّ أنَّ الحِلمَ عَجْزٌ وضَعْفٌ فقد أَخطَأَ، ومن ظَنَّ أنَّ الإعرَاضَ عن الجَاهِلِ خَوفٌ وخَوَرٌ فقد أَخطَأَ، كَيفَ يَكُونُ هذا ورَبُّنَا عزَّ وجلَّ يَقُولُ: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: خَرَجَ زَينُ العَابِدِينَ بنُ عَلَيِّ بنِ الحُسَينِ رَضِيَ اللهُ عنهُما من المَسجِدِ فَسَبَّهُ رَجُلٌ، فَانتَدَبَ النَّاسُ إلَيهِ، فَقَالَ: دَعُوهُ، ثمَّ أَقبَلَ عَلَيهِ فَقَالَ: ما سَتَرَهُ اللهُ عَنكَ من عُيُوبِنَا أَكثَرُ، أَلَكَ حَاجَةٌ نُعِينُكَ عَلَيهَا؟

فَاستَحيَا الرَّجُلُ، فَأَلقَى إلَيهِ خَمِيصَةً كَانَت عَلَيهِ، وأَمَرَ لَهُ بِأَلفِ دِرهَمٍ.

فَكَانَ الرَّجُلُ بَعدَ ذلكَ إذا رَآهُ يَقُولُ: إِنَّكَ من أَولادِ الأنبِيَاءِ.

خامساً: القَولُ الحَسَنُ:

أيُّها الإخوة الكرام: يَجِبُ على كُلِّ وَاحِدٍ فِينَا عِندَمَا يَقُومُ بِوَاجِبِ الدَّعوَةِ إلى اللهِ تعالى أن يُحْكِمَ قَولَهُ، ويُسَدِّدَ لَفظَهُ، فمن فَعَلَ ذلكَ فقد أُوتِيَ من الحِكمَةِ بَاباً عَظِيمَاً، ولهذا أَرشَدَ اللهُ تعالى كُلَّ الدُّعَاةِ والمُرَبِّينَ والنَّاصِحِينَ والمُرشِدِينَ والمُعَلِّمِينَ إلى هذا بِقَولِهِ تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً﴾.

يَقُولُ طَلحَةُ بنُ عُمَر: قُلتُ لِعَطَاءٍ: إِنَّكَ رَجُلٌ يَجتَمِعُ عِندَكَ نَاسٌ ذَوُو أَهوَاءَ مُختَلِفَةٍ، وأنا رَجُلٌ في حِدَّةٍ فَأَقُولُ لَهُم بَعضَ القَولِ الغَلِيظِ.

فَقَالَ: لا تَفعَلْ؛ يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً﴾.

يَقُولُ عَطَاءُ: فَدَخَلَ في هذهِ الآيَةِ اليَهُودُ والنَّصَارَى، فَكَيفَ بالحَنِيفِيِّ.

أيُّها الإخوة الكرام: القُولُ الحَسَنُ يِملِكُ القُلُوبَ، وهوَ وَاجِبٌ على كُلِّ مُسلِمٍ ودَاعٍ إلى اللهِ تعالى، وكُلُّنَا هذا المُسلِمُ، اُنظُرُوا إلى خِطَابِ سَيِّدِنَا إبراهِيمَ عَلَيهِ السَّلامُ عِندَمَا نَادَى أَبَاهُ فَقَالَ: ﴿يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيَّاً * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيَّاً * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيَّاً * قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيَّاً * قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيَّاً﴾.

سادساً: التَّلمِيحُ دُونَ التَّصرِيحِ:

أيُّها الإخوة الكرام: يَجِبُ على كُلِّ وَاحِدٍ فِينَا عِندَمَا يَقُومُ بِوَاجِبِ الدَّعوَةِ إلى اللهِ تعالى أن يُلَوِّحَ تَلويحَاً وتَلمِيحَاً دُونَ التَّصرِيحِ، لأنَّ التَّصرِيحَ يَهتِكُ حِجَابَ الهَيبَةِ، ويُجَرِّئُ على سُوءِ الأَدَبِ.

وهذا من سُنَّةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، روى الإمام البُخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَال: جَاءَ ثَلاثةُ رهْطِ إِلَى بُيُوتِ أَزْواجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يسْأَلُونَ عنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخبِروا كأَنَّهُمْ تَقَالَّوْها وقالُوا: أَين نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَدْ غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّم مِنْ ذَنْبِهِ وما تَأَخَّرَ.

قالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فأُصلِّي الليل أَبداً.

وقال الآخَرُ : وَأَنا أَصُومُ الدَّهْرَ أبداً ولا أُفْطِرُ.

وقالَ الآخرُ: وأَنا اعْتَزِلُ النِّساءَ فلا أَتَزوَّجُ أَبداً.

فَجاءَ رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلَيْهمْ فقال: «أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كذا وكذَا ؟، أَما واللهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ للهِ وَأَتْقَاكُم لهُ، لكِني أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصلِّي وَأَرْقُد، وَأَتَزَوّجُ النِّسَاءَ، فمنْ رغِب عَن سُنَّتِي فَلَيسَ مِنِّى».

وكُلُّنَا يَحفَظُ حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ»رواه الإمام البخاري عن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ. وكَانَ هذا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ بِسَبَبِ رَجُلٍ هَاجَرَ من مَكَّةَ إلى المَدِينَةِ من أَجلِ زَوَاجٍ من امرَأَةٍ.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: يَجِبُ على جَمِيعِ الدُّعَاةِ إلى اللهِ تعالى ـ وكُلَّنَا دُعَاةٌ ـ أن نَسلُكَ الطَّرِيقَ التي تُوصِلُنَا إلى قُلُوبِ المَدعُوِّينَ من أبنَاءٍ وزَوجَاتٍ وغَيرِهِم، فَبِالحِلمِ تَسلُكُ طَرِيقَاً إلى قُلُوبِ المَدعُوِّينَ، وكذلكَ بالقَولِ الحَسَنِ، واللُّطفِ فِيهِم عِندَمَا تُلَوِّحُ وتُلَمِّحُ ولا تُصَرِّحُ.

اللَّهُمَّ ارزُقنَا أَحسَنَ الأخلاقِ . آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 22/ رمضان/1435هـ، الموافق: 20/تموز / 2014م