367ـ خطبة الجمعة: والله لَوْ كَانَ حَيَّاً كَانَ عَيْباً

 

 367ـ خطبة الجمعة: والله لَوْ كَانَ حَيَّاً كَانَ عَيْباً

 مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا عباد الله، إنَّ هذهِ الحَياةَ الدُّنيا تُشبِهُ السَّرابَ الذي يَحسَبُهُ الظَّمآنُ ماءً، فَيَركُضُ خَلفَهُ ويَسعى في طَلَبِهِ حتَّى يَموتَ عَطَشاً، وهوَ سَرابٌ، وهكذا هيَ هذهِ الدُّنيا.

الحَياةُ الدُّنيا ما هيَ إلا مَحطَّةٌ في طَريقٍ، ومَمَرٌّ إلى مُستَقَرٍّ، إمَّا إلى جَنَّةٍ، وإمَّا إلى نارٍ، قال تعالى: ﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِير﴾.

يا عباد الله، شَأنُ العُقَلاءِ من النَّاسِ في هذهِ الحَياةِ الدُّنيا أن يَنظُروا في أكمَلِ شَخصِيَّةٍ خَلَقَها اللهُ تعالى، أن يَنظُروا في شَخصِيَّةِ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ التي أقَرَّ بِفَضْلِها وكَمالِ عَقلِها الأعداءُ قَبلَ الأصدِقاءِ، كَيفَ كانَ يَنظُرُ إلى هذهِ الحَياةِ الدُّنيا، وكَيفَ كانَ يَتعامَلُ مَعَها التي هيَ في الحَقيقَةِ مَمَرٌّ ولَيسَتَ مُستَقَرَّاً.

«مَا لِي وَلِلدُّنْيَا»:

يا عباد الله، لِيَسمَعْ عُقَلاءُ النَّاسِ وخاصَّةً من آمَنَ منهُم إلى كَلامِ سَيِّدِ النَّاسِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

روى الترمذي عَنْ عَبْدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: نَامَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَصِيرٍ، فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ.

فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ الله، لَو اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً؟

فَقَالَ: «مَا لِي وَمَا لِلدُّنْيَا، مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا».

هل سَمِعتَ يا مَجروحَ الفُؤادِ هذا الحَديثَ الشَّريفَ؟ يا من يَتَألَّمُ من هذهِ الحَياةِ الدُّنيا هل سَمِعتَ هذا الحَديثَ الشَّريفَ؟ ألا تَجِدُ في سِيرَتِهِ العَطِرَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سُلواناً لِمَصائِبِكَ التي وَقَعَت عَلَيكَ؟ لقد نامَ سَيِّدُ الخَلْقِ على الحَصيرِ، وهوَ القائِلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَأَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ وَلَا فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ وَلَا فَخْرَ، آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي وَلَا فَخْرَ» رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي نَضْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

يا عباد الله، من فَضْلِ الله تعالى على الأُمَّةِ أن ألهَمَ نَبِيَّهُ سَيِّدَنا مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أن يَختارَ العُبودِيَّةَ مَعَ النُبُوَّةِ، روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: جَلَسَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا مَلَكٌ يَنْزِلُ.

فَقَالَ جِبْرِيلُ: إِنَّ هَذَا الْمَلَكَ مَا نَزَلَ مُنْذُ يَوْمِ خُلِقَ قَبْلَ السَّاعَةِ، فَلَمَّا نَزَلَ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ رَبُّكَ قَالَ: أَفَمَلِكاً نَبِيَّاً يَجْعَلُكَ أَوْ عَبْداً رَسُولاً؟

قَالَ جِبْرِيلُ: تَوَاضَعْ لِرَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ.

قَالَ: «بَلْ عَبْداً رَسُولاً».

جَهِلْنا حَقيقَةَ الحَياةِ الدُّنيا:

يا عباد الله، الكَثيرُ من النَّاسِ جَهِلَ حَقيقَةَ الحَياةِ الدُّنيا، حتَّى تَعَلَّقَ بها، وشُغِفَ بِحُبِّها، وصَارَت عِندَهُ كَلَّ شَيءٍ، وهيَ في الحَقيقَةِ لا تُساوي شَيئاً.

يا عباد الله، لَعَلَّ هؤلاءِ الذينَ يَتَقاتَلونَ على الحَياةِ الدُّنيا أن يَسمَعوا حَديثَ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وهوَ يُعطيهِم صُورَةً حَيَّةً عن حَقيقَةِ هذهِ الحَياةِ الدُّنيا التي تَحَاسَدوا وتَدَابَروا وتَقَاتَلوا فيما بَينَهُم بِسَبَبِها، وهُم يَعلَمونَ حَديثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى الله مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ» رواه الترمذي عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عنهُما.

اِسمَعوا يا عباد الله، وأسمِعوا من جَهِلَ حَقيقَةَ هذهِ الحَياةِ الدُّنيا الحَديثَ الشَّريفَ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهُما، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِالسُّوقِ دَاخِلاً مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ ـ بِجَانِبِهِ ـ فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ ـ صَغيرِ الأُذُنَينِ ـ مَيِّتٍ، فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ.

ثُمَّ قَالَ: «أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟».

فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ وَمَا نَصْنَعُ بِهِ.

قَالَ: «أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ؟».

قَالُوا: والله لَوْ كَانَ حَيَّاً كَانَ  عَيْباً فِيهِ لِأَنَّهُ أَسَكُّ، فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّّتٌ؟

فَقَالَ: «فوالله لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى الله مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ».

يا عباد الله، لقد أَعطَينا الدُّنيا أكبَرَ من قَدْرِها، وتَعَلَّقنا بها حتَّى نَسِيَ الكَثيرُ منَّا الدَّارَ الآخِرَةَ، ونَسِيَ أنَّ الحَياةَ الدُّنيا مَمَرٌّ إلى مَقَرٍّ.

فَكِّرْ في مُستَقْبَلِكَ في الآخِرَةِ:

يا عباد الله، حَياتُنا في هذهِ الدَّارِ مُؤَقَّتَةٌ، قال تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِين﴾. والقَرارُ والحَياةُ الحَقيقِيَّةُ لَيسَت هُنا، بل هَناكَ، قال تعالى: ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُون﴾.

يا عباد الله، العَاقِلُ من كانَ حَريصاً على مُستَقْبَلِهِ في الآخِرَةِ، ولْنَسمَعْ جَميعاً الحَديثَ الصَّحيحَ الذي رواه لنا الإمام مسلم رَحِمَهُ اللهُ تعالى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ:

يَا ابْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ خَيْراً قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟

فَيَقُولُ: لَا والله يَا رَبِّ.

وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْساً فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ:

يَا ابْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ بُؤْساً قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟

فَيَقُولُ: لَا والله يَا رَبِّ، مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ، وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ».

يا عباد الله، لا تَتَأَلَّموا على الدُّنيا وإن فَاتَتْكُم، وكونوا على يَقينٍ بأنَّها ما فاتَت إلا لِحِكمَةٍ يُريدُها اللهُ تعالى، ولكن تَأَلَّموا إذا كانَ مَصيرُ العَبدِ إلى نارِ جَهَنَّمَ والعِياذُ بالله تعالى، وقولوا لِكُلِّ مَغرورٍ في هذهِ الحَياةِ الدُّنيا: اِسمَعْ إلى قَولِ الله تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِم أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُون﴾.

قولوا لهُ: يا أيُّها المَغرورُ، والله إنَّ لَصَبْغَةً في النَّارِ يَومَ القِيامَةِ سَوفَ تُنسيكَ نَعيمَ الدُّنيا الذي كانَ على حِسابِ دِينِكَ ـ لا قَدَّرَ اللهُ تعالى ـ.

يا عباد الله، لا تَتَأَلَّموا على هذهِ الحَياةِ الدُّنيا، فالكُلُّ رَاحِلٌ منها، إن كُنَّا في أمنٍ أو خَوفٍ فَسَوفَ نَرحَلُ منها، وإن كُنَّا في شِبَعٍ أو جُوعٍ فَسَوفَ نَرحَلُ منها، وإن كُنَّا أغنِياءَ أو فُقَراءَ فَسَوفَ نَرحَلُ منها، وإن كُنَّا أصِحَّاءَ أو مَرضى فَسَوفَ نَرحَلُ منها، وإن كُنَّا حُكَّاماً أو مَحكومينَ فَسَوفَ نَرحَلُ منها.

يا عباد الله، الحَاكِمُ والمَحكومُ، والقَوِيُّ والضَّعيفُ، والظَّالِمُ والمَظلومُ، والفَاسِقُ والطَّائِعُ، الكُلُّ رَاحِلٌ، والسَّعيدُ من اندَرَجَ تَحتَ قَولِهِ تعالى: ﴿فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُور﴾.

أخَفُّ النَّاسِ عَذاباً:

يا عباد الله، الشَّقِيُّ من النَّاسِ من نسِيَ الآخِرَةَ، وعَرَّضَ نَفسَهُ لِسَخَطِ الله تعالى حتَّى وَقَعَ في عَذابِهِ يَومَ القِيامَةِ، ولْيَسْمَعْ من جَعَلَ الدُّنيا غَايَتَهُ وهَدَفَهُ، فأَكَلَ أموالَ النَّاسِ بِغَيرِ حَقٍّ، وهَضَمَ حُقوقَ العِبادِ فَظَلَمَ وبَغى وتَجَبَّرَ، لِيَسمَع الحَديثَ الصَّحيحَ الذي رواه الإمام البخاري عَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ عَلَى أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ، يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ وَالْقُمْقُمُ».

ولْيَسْمَعْ الحَديثَ الذي رواه الإمام مسلم عَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً مَنْ لَهُ نَعْلَانِ وَشِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ، مَا يَرَى أَنَّ أَحَداً أَشَدُّ مِنْهُ عَذَاباً، وَإِنَّهُ لَأَهْوَنُهُمْ عَذَاباً».

يا عباد الله، قال تعالى: ﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً﴾. ﴿إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى﴾.

إذا كانَ أخَفُّ النَّاسِ عَذاباً هكذا، فَكَيفَ إذا ضُوعِفَ عَلَيهِ العَذابُ بِسَبَبِ كُفرِهِ وفِسقِهِ وفُجورِهِ وفَسادِهِ في الأرضِ؟

أمَا سَمِعَ العِبادُ قَولَ الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ الله إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً﴾؟ بِسَبَبِ شَهوَةٍ عَاجِلَةٍ خَرَّبَ مُستَقْبَلَهُ في الآخِرَةِ.

بابُ التَّوبَةِ مَفتوحٌ:

يا عباد الله، من رَحمَةِ الله تعالى بِعِبادِهِ وخاصَّةً الفَسَقَةِ منهُم أنَّهُ فَتَحَ لَهُم بابَ التَّوبَةِ، فقال: ﴿إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَّحِيماً * وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى الله مَتَاباً﴾.

فهل يَرجِعُ النَّاسُ إلى رُشدِهِم وعُقولِهِم فَيَكُفُّوا أيدِيَهُم عن سَفْكِ الدِّماءِ، وسَلْبِ الأموالِ، وتَرويعِ الآمِنينَ، أم لا؟

ووالله إن لم يَكُفُّوا عن ذلكَ فَسَوفَ يَقولونَ يَومَ القِيامَةِ: ﴿لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِير﴾.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

يا عباد الله، قولوا لِكُلِّ مَجروحٍ في هذهِ الأزمَةِ: لا تَحزَنْ على الدُّنيا وإن فَاتَتْكَ، إذا كُنتَ على قَدَمِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَقيدَةً وسُلوكاً، ماذا يَضُرُّكَ إذا قُلتَ عِندَ سَكَراتِ المَوتِ: واطَرَباهُ، غَداً ألقى الأحِبَّةَ سَيِّدَنا مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وصَحبَهُ رَضِيَ اللهُ عنهُم؟

أمَّا من لم يَكُنْ على قَدَمِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَقيدَةً وسُلوكاً فَسَوفَ يَقولُ عِندَ سَكَراتِ المَوتِ: ﴿رَبِّ ارْجِعُون * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون﴾.

يا ربِّ فَرِّج الكَربَ عن هذهِ الأُمَّةِ، ولا تُحَمِّلْنا ما لا طَاقَةَ لنابه. آمين.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 30/ربيع الأول/1435هـ، الموافق: 31/كانون الثاني/ 2014م