110ـ مع الحبيب المصطفى: «مَنْ مَاتَ عَلَى شَيْءٍ بَعَثَهُ اللهُ عَلَيْهِ»

 

 مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

110ـ  «مَنْ مَاتَ عَلَى شَيْءٍ بَعَثَهُ اللهُ عَلَيْهِ»

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: لقد كانَتِ العَرَبُ قَبلَ كَلِمَةِ التَّوحيدِ ـ لا إلهَ إلا اللهُ ـ من أضعَفِ وأذَلِّ وأبعَدِ الأُمَمِ عن الله تعالى، وكانَت في الغَبْراءِ، وكانَت تَسفِكُ الدِّماءَ البَريئَةَ بِدونِ حِسابٍ، وكانَتِ الفَاحشَةُ مُنتَشِرَةً فيهِم، وأكلُ أموالِ النَّاسِ بِغَيرِ حَقٍّ أمرٌ طَبيعِيٌّ فيهِم، وكَانَت تَسلُبُ وتَنهَبُ، فأرادَ اللهُ عزَّ وجلَّ أن يَرفَعَها من الغَبْراءِ إلى العَلياءِ، فألزَمَهُم كَلِمَةَ التَّوحيدِ، وبها سَادوا الدُّنيا، ورُفِعوا إلى العَلياءِ.

أيُّها الإخوة الكرام: كَلِمَةُ التَّوحيدِ لا إلهَ إلا اللهُ تَجعَلُ المُجتَمَعَ الإسلامِيَّ كَأنَّهُ رَجُلٌ واحِدٌ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام مسلم عَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ، إِن اشْتَكَى رَأْسُهُ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ». تَجعَلُ المُجتَمَعَ الإسلامِيَّ كالجَسَدِ الواحِدِ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام مسلم عَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى».

أيُّها الإخوة الكرام: كَلِمَةُ التَّوحيدِ عِندَما قالَهَا أهلُ الإيمانِ، عَطَّفَت قُلوبَ حَمَلَةِ العَرشِ ومن حَولَهُ من المَلائِكَةِ الكِرامِ، حتَّى صاروا يَستَغفِرونَ للمُؤمِنينَ، ويَدعونَ اللهَ عزَّ وجلَّ لَهُم، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيم * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم﴾.

هيَ أحسَنُ الحَسَناتِ:

أيُّها الإخوة الكرام: كَلِمَةُ التَّوحيدِ لا إلهَ إلا اللهُ، هيَ أفضَلُ الحَسَناتِ عِندَ الله عزَّ وجلَّ، روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أَوْصِنِي.

قَالَ: «إِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً فَأَتْبِعْهَا حَسَنَةً تَمْحُهَا».

قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أَمِنْ الْحَسَنَاتِ لَا إِلَهَ إِلَّا الله؟

قَالَ: «هِيَ أَفْضَلُ الْحَسَنَاتِ».

هيَ نورٌ لِقَائِلِها يَومَ القِيامَةِ:

أيُّها الإخوة الكرام: كَلِمَةُ التَّوحيدِ لا إلهَ إلا اللهُ، نورٌ لِقَائِلِها يَومَ القِيامَةِ، وخاصَّةً إذا خُتِمَ لهُ بها ـ أسألُ اللهَ تعالى أن يَختِمَ آجالَنا بها. آمين ـ وهيَ سَبَبٌ لإشراقِ وَجْهِهِ عِندَ سَكَراتِ المَوتِ، وسَبَبٌ لِتَنفيسِ الكُرَبِ عنهُ، روى الإمام أحمد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ الله: مَا لِي أَرَاكَ قَدْ شَعِثْتَ وَاغْبَرَرْتَ مُنْذُ تُوُفِّيَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ لَعَلَّكَ سَاءَكَ يَا طَلْحَةُ إِمَارَةُ ابْنِ عَمِّكَ؟

قَالَ: مَعَاذَ الله، إِنِّي لَأَجْدَرُكُمْ أَنْ لَا أَفْعَلَ ذَلِكَ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَا يَقُولُهَا أَحَدٌ عِنْدَ حَضْرَةِ الْمَوْتِ إِلَّا وَجَدَ رُوحَهُ لَهَا رَوْحاً حِينَ تَخْرُجُ مِنْ جَسَدِهِ، وَكَانَتْ لَهُ نُوراً يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

فَلَمْ أَسْأَلْ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا، وَلَمْ يُخْبِرْنِي بِهَا، فَذَلِكَ الَّذِي دَخَلَنِي.

قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فَأَنَا أَعْلَمُهَا.

قَالَ: فللَّه الْحَمْدُ، فَمَا هِيَ؟

قَالَ: هِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي قَالَهَا لِعَمِّهِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ.

قَالَ طَلْحَةُ: صَدَقْتَ.

وفي روايَةٍ ثانِيَةٍ للإمام أحمد عَنْ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: رَأَى عُمَرُ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ الله ثَقِيلاً فَقَالَ: مَا لَكَ يَا أَبَا فُلَانٍ، لَعَلَّكَ سَاءَتْكَ إِمْرَةُ ابْنِ عَمِّكَ يَا أَبَا فُلَانٍ؟

قَالَ: لَا، إِلَّا أَنِّي سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَدِيثاً مَا مَنَعَنِي أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْهُ إِلَّا الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ.

سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَا يَقُولُهَا عَبْدٌ عِنْدَ مَوْتِهِ إِلَّا أَشْرَقَ لَهَا لَوْنُهُ، وَنَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَتَهُ».

فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إِنِّي لَأَعْلَمُ مَا هِيَ.

قَالَ: وَمَا هِيَ؟

قَالَ: تَعْلَمُ كَلِمَةً أَعْظَمَ مِنْ كَلِمَةٍ أَمَرَ بِهَا عَمَّهُ عِنْدَ الْمَوْتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ.

قَالَ طَلْحَةُ: صَدَقْتَ، هِيَ والله هِيَ.

«مَنْ مَاتَ عَلَى شَيْءٍ بَعَثَهُ اللهُ عَلَيْهِ»:

أيُّها الإخوة الكرام: كونوا على يَقينٍ بأنَّ من ماتَ على شَيءٍ بَعَثَهُ اللهُ تعالى عَلَيهِ يَومَ القِيامَةِ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الحاكم والإمام أحمد عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ عَلَى شَيْءٍ بَعَثَهُ اللهُ عَلَيْهِ».

وفي رِوايَةٍ للإمام مسلم عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ».

فمنهُم من يَموتُ على نُورِ كَلِمَةِ التَّوحيدِ، ويُبعَثُ عَلَيها يَومَ القِيامَةِ في نُورٍ، قال تعالى: ﴿نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير﴾.

ومنهُم من يَموتُ على الرِّبا وهوَ مُصِرٌّ عَلَيهِ والعِياذُ بالله تعالى، ويُبعَثُ على تِلكَ الحَالَةِ، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُم قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى الله وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون﴾.

ومنهُم من يَموتُ على أكلِ أموالِ اليَتامى ظُلماً، ويُبعَثُ على تِلكَ الحَالَةِ، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً﴾. فهذا يَنطَلِقُ من قَبرِهِ إلى أرضِ المَحشَرِ عُرياناً، ومن حَولَهُ مَجموعَةٌ من الأطفالِ الصِّغارِ يَجُرُّونَهُ جَرَّاً للوُقوفِ بَينَ يَدَيِ الله سُبحَانَهُ وتعالى.

ومنهُم من يَموتُ على الرِّشوَةِ وأكلِ أموالِ النَّاسِ بالباطِلِ والعِياذُ بالله تعالى، ويَبعَثُهُ اللهُ تعالى يَومَ القِيامَةِ على ما ماتَ عَلَيهِ، ويُفضَحُ في أرضِ المَحشَرِ.

روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَذَكَرَ الْغُلُولَ ـ الخِيَانَةَ في المَغنَمِ ـ  فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ، ثُمَّ قَالَ: «لَا أُلْفِيَنَّ ـ لا أجِدُ ـ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ ـ صَوْتُ الْبَعِيرِ ـ يَقُولُ: يَا رَسُولَ الله، أَغِثْنِي؛ فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئاً، قَدْ أَبْلَغْتُكَ.

لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ ـ صَوتُ الفَرَسِ عِندَ العَلْفِ ـ فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ الله، أَغِثْنِي؛ فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئاً، قَدْ أَبْلَغْتُكَ.

لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ ـ صِياحُ الغَنَمِ ـ يَقُولُ: يَا رَسُولَ الله، أَغِثْنِي؛ فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئاً، قَدْ أَبْلَغْتُكَ.

لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ نَفْسٌ لَهَا صِيَاحٌ ـ الرَّقيقُ من امرأَةٍ أو صَبِيٍّ ـ فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ الله، أَغِثْنِي؛ فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئاً، قَدْ أَبْلَغْتُكَ.

لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ ـ الحُقُوقُ المكتُوبَةُ تَتَقَعقَعُ وتَضطَرِبُ ـ فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ الله، أَغِثْنِي؛ فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئاً، قَدْ أَبْلَغْتُكَ.

لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ ـ الذَّهَبُ والفِضَّةُ والمالُ ـ فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ الله، أَغِثْنِي؛ فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئاً، قَدْ أَبْلَغْتُكَ».

ومنهُم من يَموتُ وهوَ سافِكٌ للدِّماءِ البَريئَةِ والعِياذُ بالله تعالى، ويَبعَثُهُ اللهُ تعالى على ما ماتَ عَلَيهِ، ويَندَمُ ولا يَنفَعُهُ النَّدَمُ.

روى الإمام أحمد عَنْ سَالِمٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ رَجُلٍ قَتَلَ مُؤْمِناً ثُمَّ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى.

قَالَ: وَيْحَكَ، وَأَنَّى لَهُ الْهُدَى؟ سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَجِيءُ الْمَقْتُولُ مُتَعَلِّقاً بِالْقَاتِلِ يَقُولُ: يَا رَبِّ، سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي؟».

والله لَقَدْ أَنْزَلَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَا نَسَخَهَا بَعْدَ إِذْ أَنْزَلَهَا.

قَالَ: وَيْحَكَ، وَأَنَّى لَهُ الْهُدَى؟

وفي رِوايَةٍ ثانِيَةٍ للإمام أحمد عن سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، أَرَأَيْتَ رَجُلاً قَتَلَ مُؤْمِناً؟

قَالَ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﴿جَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا﴾ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ.

قَالَ: فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، أَرَأَيْتَ إِنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً؟

قَالَ: ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ، وَأَنَّى لَهُ التَّوْبَةُ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمَقْتُولَ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُتَعَلِّقاً رَأْسَهُ بِيَمِينِهِ ـ أَوْ قَالَ: بِشِمَالِهِ ـ آخِذاً صَاحِبَهُ بِيَدِهِ الْأُخْرَى، تَشْخَبُ أَوْدَاجُهُ دَماً فِي قُبُلِ عَرْشِ الرَّحْمَنِ، فَيَقُولُ: رَبِّ، سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي؟».

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: أختِمُ هذا اللِّقاءَ بِقَولِ الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُّسْلِمُون﴾. وبِقَولِهِ تعالى: ﴿مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُون * وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُون﴾.

الفَارِقُ كَبيرٌ بَينَ من ماتَ على الطَّاعَةِ، وبَينَ من ماتَ على المَعصِيَةِ. أسألُ اللهَ تعالى أن يُكرِمَنا بِحُسنِ الخِتامِ، وأن نَكونَ من النَّاطِقينَ بالشَّهادَتَينِ عِندَ الغَرغَرَةِ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 13/ربيع الثاني/1435هـ، الموافق: 13/شباط/ 2014م