1ـ أشراط الساعة: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً}

 

1ـ أشراط الساعة:

﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً﴾

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: الإنسَانُ بِشَكلٍ عَامٍّ عِندَهُ وَلَعٌ بَالِغٌ، وشَغَفٌ كَبِيرٌ لِمَعرِفَةِ الأُمُورِ الغَيبِيَّةِ، المَاضِي مِنهَا والحَاضِرَ والمُستَقبَلَ، ومن خِلالِ هذا الوَلَعِ والشَّغَفِ، وتَوَقَانِ النُّفُوسِ إلى مُكَاشَفَةِ هذهِ الأُمُورِ الغَيبِيَّةِ، وَقَعَ الكَثِيرُ من النَّاسِ في تَصدِيقِ الخُرَافَاتِ، والرِّضَى بِقَولِ الكَهَنَةِ، الكُلُّ يَقذِفُ بالغَيبِ، نَاسِينَ قَولَ اللهِ عزَّ وجلَّ: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾. ونَاسِينَ قَولَ اللهِ عزَّ وجلَّ: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾.

ونَسِيَ هؤلاءِ الحَدِيثَ الصَّحِيحَ الذي رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَارِزاً يَوْماً لِلنَّاسِ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: مَا الْإِيمَانُ؟

قَالَ: «الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ باللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَبِلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ».

قَالَ: مَا الْإِسْلَامُ؟

قَالَ: «الْإِسْلَامُ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ».

قَالَ: مَا الْإِحْسَانُ؟

قَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ».

قَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟

قَالَ: «مَا الْمَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِن السَّائِلِ، وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا، إِذَا وَلَدَتِ الْأَمَةُ رَبَّهَا، وَإِذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الْإِبِلِ الْبُهْمِ فِي الْبُنْيَانِ، فِي خَمْسٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللهُ».

ثُمَّ تَلَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: لا مَجَالَ للحَدِيثِ عن المُغَيَّبَاتِ، إلا من خِلالِ القُرآنِ العَظِيمِ، أو من خِلالِ مَا أَطلَعَ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنهُ، ومَا عَدَا ذلكَ فَمَا هوَ إلا مُجَرَّدُ تَكَهُّنَاتٍ إن لم تَكُنْ أَسَاطِيرَ وخُرَافَاتٍ.

عِلمُ السَّاعَةِ عِندَ اللهِ تعالى:

أيُّها الإخوة الكرام: الكَثِيرُ مِمَّن يَسأَلُ عن نِهَايَةِ هذهِ الدُّنيَا، ويَتَكَلَّمُ في قِيَامِ السَّاعَةِ، والحَقِيقَةُ أَنَّهُ لا يَستَطِيعُ أَحَدٌ على وَجْهِ الأَرضِ أن يُحَدِّدَ وَقتَ قِياِمِ السَّاعَةِ، لأنَّ وَقتَ قِيَامِ السَّاعَةِ لا يَعلَمُهُ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، ولا نَبِيٌّ مُرسَلٌ، فهذا من العِلمِ الذي استَأثَرَ بِهِ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ، قال تعالى: ﴿يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللهِ﴾.

وقال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا﴾.

وروى الشيخان كما في الحَدِيثِ السَّالِفِ أنَّ أَمِينَ وَحْيِ السَّمَاءِ سَيِّدَنَا جِبرِيلَ عَلَيهِ السَّلامُ سَأَلَ أَمِينَ أَهلِ الأَرضِ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: مَتَى السَّاعَةُ؟

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا الْمَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِن السَّائِلِ».

أيُّها الإخوة الكرام: لكنَّ رَبَّنَا عزَّ وجلَّ أَطلَعَ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على أَمَارَاتِ السَّاعَةِ وعَلامَاتِهَا، بل على كُلِّ الأَحدَاثِ التي سَتَقَعُ في الكَونِ قَبلَ قِيَامِ السَّاعَةِ، وهذا مَا أَكَّدَهُ سَيِّدُنَا جِبرِيلُ عَلَيهِ السَّلامُ، عِندَمَا قَالَ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا.

قَالَ: «أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ» رواه الإمام مسلم عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

لا غَرَابَةَ في الحَدِيثِ عن أَمَارَاتِهَا وهيَ غَيبٌ، لأنَّ اللهَ تعالى يَقُولُ: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾. ويَقُولُ: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾.

فَمَا حَدَّثَ عَنهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من عَلامَاتِ وأَمَارَاتِ السَّاعَةِ حَقٌّ وصِدْقٌ، لأنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ما يَنطِقُ عن الهَوَى، قال تعالى: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾.

من هذا المُنطَلَقِ أَوجَبَ اللهُ تعالى على الأُمَّةِ أن تَأخُذَ عن سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كُلَّ مَا آتَاهَا، فَقَالَ تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.

روى الإمام أحمد وأبو داود عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أُرِيدُ حِفْظَهُ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ، وَقَالُوا: أَتَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَشَرٌ، يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا؛ فَأَمْسَكْتُ عَنْ الْكِتَابِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى فِيهِ فَقَالَ: «اكْتُبْ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ».

أَخبَرَ بِمَا كَانَ وبِمَا هوَ كَائِنٌ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد حَدَّثَنَا الصَّادِقُ المَصدُوقُ عن الأُمُورِ الغَيبِيَّةِ التي تَتَعَلَّقُ بِقِيَامِ السَّاعَةِ، وَوَجَبَ على الأُمَّةِ أن تَأخُذَ ذلكَ بِتَصدِيقٍ وإيمَانٍ.

روى الإمام مسلم عن عَمْرِو بْنِ أَخْطَبَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ، وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الظُّهْرُ، فَنَزَلَ، فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الْعَصْرُ، ثُمَّ نَزَلَ، فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَأَخْبَرَنَا بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَأَعْلَمُنَا أَحْفَظُنَا.

وروى الإمام البخاري عن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَامَ فِينَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَقَاماً، فَأَخْبَرَنَا عَنْ بَدْءِ الْخَلْقِ، حَتَّى دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنَازِلَهُمْ، وَأَهْلُ النَّارِ مَنَازِلَهُمْ، حَفِظَ ذَلِكَ مَنْ حَفِظَهُ، وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ.

وروى الإمام مسلم عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ، فَمَا مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا قَدْ سَأَلْتُهُ، إِلَّا أَنِّي لَمْ أَسْأَلْهُ مَا يُخْرِجُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ مِن الْمَدِينَةِ.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: نَحنُ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى مَعرِفَةِ أَشرَاطِ السَّاعَةِ وأَمَارَاتِهَا، لَعَلَّ الإيمَانَ باليَومِ الآخِرِ يَقوَى في نُفُوسِنَا، لأنَّ قُوَّةَ الإيمَانِ باللهِ واليَومِ الآخِرِ تَدفَعُ العَبدَ للاستِقَامَةِ، قال تعالى: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.

نَسأَلُكَ اللَّهُمَّ زِيَادَةً في إيمَانِنَا حَتَّى نَلقَاكَ وأَنتَ رَاضٍ عَنَّا. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 21/ذو الحجة/1435هـ، الموافق: 15/تشرين الأول / 2014م