3ـ أشراط الساعة: يصيب آخر الأمة بلاء وأمور منكرة

 

أشراط الساعة

3ـ يصيب آخر الأمة بلاء وأمور منكرة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: لقد حَذَّرَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الأُمَّةَ من كُلِّ شَرٍّ يَعتَرِضُ طَرِيقَهَا، وحَذَّرَهَا من جَمِيعِ الفِتَنِ الظَّاهِرَةِ والبَاطِنَةِ، الكَبِيرَةِ الصَّغِيرَةِ، وما تَرَكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَمْرَاً من أُمُورِ الفِتَنِ التي تَضُرُّ بالأُمَّةِ إلا حَذَّرَ مِنهُ، كُلُّ ذلكَ شَفَقَةً مِنهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ورَحمَةً، حَتَّى لا تَضِلَّ أُمَّتُهُ أو تَهلَكَ.

أيُّها الإخوة الكرام: بَعدَ أن أَفسَدَتِ الحَضَارَةُ المَادِّيَّةُ الشَّرقَ والغَربَ أَرَادُوا أن يُفسِدُونَنَا، فَجَلَبُوا إِلَينَا الفِتَنَ لِيُفسِدُونَا بِهَا كَمَا أَفسَدَتْهُم، قال تعالى: ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيَّاً وَلَا نَصِيراً﴾.

ومَا زِلنَا نَسمَعُ بَينَ الحِينِ والآخَرِ فِتنَةً جَدِيدَةً تُصَدَّرُ إِلَينَا من شَرقٍ أو غَربٍ، يَستَنكِرُهَا النَّاسُ ويَشمَئِزُّونَ مِنهَا، حَتَّى إذا أَلِفَهَا النَّاسُ جَاءَت فِتنَةٌ أعظَمُ من سَابِقَتِهَا، وحَقَّاً السَّعِيدُ من وُقِيَ الفِتَنَ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه أبو داود عَن الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: ايْمُ اللهِ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، وَلَمَن ابْتُلِيَ فَصَبَرَ فَوَاهاً».

يُصِيبُ آخِرَ الأُمَّةِ بَلاءٌ وأُمُورٌ مُنكَرَةٌ:

أيُّها الإخوة الكرام: رَبُّنَا عزَّ وجلَّ عَالِمُ الغَيبِ والشَّهَادَةِ، يَعلَمُ الحَاضِرَ والمُستَقبَلَ، يَعلَمُ الظَّاهِرَ والباطِنَ، ومن فَضْلِهِ على عِبَادِهِ أنَّهُ أَطلَعَ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على أُمُورٍ غَيبِيَّةٍ حَدَّثَ الأُمَّةَ عَنهَا، ومن جُملَةِ ما حَدَّثَ بِهِ الأُمَّةَ عن الفِتَنِ التي سَتَقَعُ.

روى الإمام مسلم عن عَبْدِ اللهِ  بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، أنَّهُ كَانَ جَالِسَاً فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً، فَمِنَّا مَنْ يُصْلِحُ خِبَاءَهُ ـ أي: خَيمَتَهُ ـ وَمِنَّا مَنْ يَنْتَضِلُ ـ أي: يَرمِي بالسِّهَامِ تَدَرُّبَاً ـ وَمِنَّا مَنْ هُوَ فِي جَشَرِهِ ـ الجَشْرُ: الدَّوَابُّ، يَعنِي: وَمِنَّا مَنْ كَانَ مَعَ دَوَابِّهِ لِيَرعَاهَا ـ إِذْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: الصَّلَاةَ جَامِعَةً.

فَاجْتَمَعْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقَّاً عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضاً، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ مُهْلِكَتِي؛ ثُمَّ تَنْكَشِفُ، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ هَذِهِ؛ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَن النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ باللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ».

«لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ»:

أيُّها الإخوة الكرام: لو أنَّ الأُمَّةَ أَلقَتِ السَّمْعَ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وأَطَاعَتْهُ فِيمَا أَمَرَ ونَهَى، وجَعَلَت هَوَاهَا وِفْقَ مَا جَاءَ بِهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لَسُعِدَتِ الأُمَّةُ، ولكن عِندَمَا خَالَفَت وَقَعَت تَحتَ الإنذَارِ الإلَهِيِّ، قال تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.

خَالَفَتِ الأُمَّةُ أَمْرَ نَبِيِّهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وتَنَاسَتِ التَّحذِيرَ الذي حَذَّرَ مِنهُ، فَوَصَلَت إلى دَرَجَةٍ مُذهِلَةٍ من اليَأسِ الشَّدِيدِ بَينَهَا، حَتَّى تَجَلَّى فِيهَا حَدِيثُ المُصطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ، وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ».

فَقِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ؟

قَالَ: «الْهَرْجُ، الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ».

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد كُنَّا نَعِيشُ بُرْهَةً من الزَّمَنِ في نِعمَةٍ، بل في نِعَمٍ عَظِيمَةٍ، وكَانَ النَّاسُ إلى حَدٍّ مَا حَولَ عُلَمَائِهِم، ومَا لَبِثَ النَّاسُ قَلِيلاً حَتَّى وَقَعَتِ الفِتَنُ وتَتَابَعَت، وطَمِعَ فِينَا كُلُّ كَافِرٍ ومُنَافِقٍ، وشَمِتَ بِنَا العَدُوُّ، واختَلَطَتِ الأُمَرَاءُ، وبَرَزَتِ الأَهوَاءُ.

كُنَّا في سَفِينَةٍ مَعَ رُبَّانِهَا، كُنَّا مَعَ العُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ العَارِفِينَ باللهِ تعالى، ثمَّ جَاءَتِ الفِتَنُ، وشَمَّرَ كُلُّ وَاحِدٍ عن ذِرَاعَيْهِ وأَخَذَ يُنَادِي: أَنَا أَقُودُكُم إلى جَادَّةِ الأَمَانِ؛ واحتَقَرَ العُلَمَاءَ العَارِفِينَ، وجَاءَ يَتَكَلَّمُ في الأَزمَةِ من يَعلَمُ ومن لا يَعلَمُ، ومن يَفقَهُ ومن لا يَفقَهُ، وصَحَّ حَدِيثُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِينَا: «إِنَّهَا سَتَأْتِي عَلَى النَّاسِ سِنُونَ خَدَّاعَةٌ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ».

قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟

قَالَ: «السَّفِيهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ» رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيكَ رَدَّاً جَمِيلاً. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 5/محرم /1435هـ، الموافق: 29/تشرين الأول / 2014م