172ـ مع الحبيب المصطفى: «اِسمَعُوا مِنِّي تَعِيشُوا»

 

 مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

172ـ وقفة مع خطبة حجة الوداع (11)

«اِسمَعُوا مِنِّي تَعِيشُوا»

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: لقد وَقَفَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ، يُوَدِّعُ أُمَّتَهُ في هذهِ الحَيَاةِ الدُّنيَا بِبَعضِ وَصَايَاهُ، لِتَعِيشَ أُمَّتُهُ عِيشَةً طَيِّبَةً في الحَيَاةِ الدُّنيَا، ولِيَجزِيَهُمُ اللهُ تعالى أَجْرَهُم بِأَحسَنِ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ، قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

من جُملَةِ وَصَايَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ، قَولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اسْمَعُوا مِنِّي تَعِيشُوا، أَلَا لَا تَظْلِمُوا، أَلَا لَا تَظْلِمُوا، أَلَا لَا تَظْلِمُوا» رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي حُرَّةَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ عَمِّهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

أيُّها الإخوة الكرام: الظُّلمُ ظُلُمَاتٌ، فالحَمدُ للهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾. والقَائِلِ: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً﴾. وصَلَّى اللهُ وبَارَكَ وعَظَّمَ وشَرَّفَ على القَائِلِ: «الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

عَاقِبَةُ الظُّلمِ وَخِيمَةٌ:

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ عَاقِبَةَ الظُّلمِ وَخِيمَةٌ، روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَقْبِضُ اللهُ الْأَرْضَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ؟».

وروى الإمام مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَن اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّماً، فَلَا تَظَالَمُوا».

وجاءَ فِي الأَثَرِ: أَنَّ اللهَ إِذَا جَمَعَ الأَوَّلِينَ والآخِرِينَ لِيَومٍ لَا رَيبَ فِيهِ، حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً بُهماً، قَد وَقَفُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَتَجَرَّدُوا لِلحِسَابِ، وَتَجَلَّى اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالى عَلى عَرشِهِ يَحمِلُهُ ثَمَانِيَة، فَنَادَى بِصَوتٍ يَسمَعُهُ مَن قَرُبَ كَمَا يَسمَعُهُ مَن بَعُدَ فَيَقُولُ عَزَّ مِن قَائِل: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ؟ أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ؟ أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ؟ ثُمَّ يَقُولُ: لِمَنِ المُلكُ اليَومَ؟ لِمَنِ المُلكُ اليَومَ؟ لِمَنِ المُلكُ اليَومَ؟ فَلَا يُجِيبُهُ لَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، وَلَا نَبِيٌ مُرسَلٌ؛ فَيُجِيبُ نَفسَهُ بِنَفسِهِ تَبَارَكَ وتَعَالى وَيقُولُ: للهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ، ثُمَّ يَقُولُ: إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّماً، فَوَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا تَنصَرِفُونَ اليَومَ وَلِأَحَدٍ عِندَ أَحَدٍ مَظلَمَةٌ، فَيَنصِبُ المَوَازِينَ، وتُرفَعُ الصُّحُفُ، وتَحضُرُ المَلائِكَةُ، وَيَأتِي الظَلَمَةُ يَعَضُّ كُلُّ ظَالِمٍ عَلى يَدِهِ حَتَّى يَأكُلَهَا؛ فَيَقتَصُّ اللهُ لِلمَظلُومِ مِمَّن ظَلَمَهُ، بِحُكمِهِ العَدل كَمَا قَد عَلَّمَهُ حَتَّى يُؤتَى بِالبَهَائِمِ فَتُحشَرُ كَالجِبَالِ، مَا بَينَ الإِبلِ وَالبَقَرِ وَالغَنَمِ وَالعَجمَاوَاتِ وَالطُيُورِ، فَيَتَجَلَّى اللهُ لَهَا فَيَقتَصُّ لِبَعضِهَا مِن بَعضٍ، حَتَّى يَقتَصَّ لِلشَّاةِ الجَّمَّاءِ مِن ذَاتِ القَرنِ، فَإِذَا انتَهَى مِن المَحكَمَةِ بِينَهَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ لَهَا: كُونِي تُرَابَاً، فَتَكُونُ تُرَابَاً، فَيَقُولُ الكَافِرُ عِندَهَا: ﴿يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: مَا حُبِسَ قَطْرُ السَّمَاءِ إلا بِسَبَبِ الظُّلمِ، ومَا نُزِعَتِ البَرَكَةُ إلا بِسَبَبِ الظُّلمِ، ومَا تَبَاغَضَتِ القُلُوبُ إلا بِسَبَبِ الظُّلمِ، ومَا دُمِّرَتِ البِلادُ إلا بِسَبَبِ الظُّلمِ، ومَا فَسَدَ النَّاسُ إلا بِسَبَبِ الظُّلمِ.

الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ في قَلبِ صَاحِبِهِ، وهوَ ظُلُمَاتٌ في قَبْرِهِ، وظُلُمَاتٌ في حَيَاتِهِ، وظُلُمَاتٌ في آخِرَتِهِ، يَستَحِقُّ بِسَبَبِهِ اللَّعنَةَ والمَسخَطَةَ.

أيُّها الإخوة الكرام: إِيَّايَ وإِيَّاكُم من الظُّلمِ، في الأَقوَالِ والأَفعَالِ والأَخلاقِ والمُعَامَلاتِ، فَكُلُّنَا وَاقِفٌ بَينَ يَدَيِ رَبِّنَا عزَّ وجلَّ يَومَ القِيَامَةِ، يَومَ العَرْضِ الأَكبَرِ، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾.

هَل يَعتَبِرُ الظَّالِمُ؟

أيُّها الإخوة الكرام: هَل من مُعتَبِرٍ؟

أولاً: سَعِيدُ بنُ زَيدٍ:

أيُّها الإخوة الكرام: سَيِّدُنَا سَعِيدُ بنُ زَيدٍ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ من أَصحَابِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وهوَ أَحَدُ العَشَرَةِ المُبَشَّرِينَ بالجَنَّةِ، وَقَعَت لَهُ حَادِثَةٌ في زَمَنِ بَنِي أُمَيَّةَ ظَلَّ أَهلُ المَدِينَةِ يَتَحَدَّثُونَ بِهَا طَوِيلاً.

روى الإِمامُ مُسلِم عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُما أنَّ سعِيدَ بنَ زَيْدٍِ بْنِ عمْرو بْنِ نُفَيْلِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، خَاصَمتْهُ أرْوَى بِنْتُ أوْسٍ إلى مَرْوَانَ بْنِ الحَكَم، وَادَّعَتْ أنَّهُ أَخَذَ شَيْئاً مِنْ أرْضِهَا.

فَقَالَ سَعِيدٌ: أنَا كُنْتُ آخُذُ مِنْ أرْضِها شَيْئاً بعْدَ الذي سمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

قَالَ: مَاذا سمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يقُولُ: «مَنْ أَخَذَ شِبْراً مِنَ الأرْضِ ظُلْماً، طُوِّقَهُ إلى سبْعِ أرضينَ».

فَقَالَ لَهُ مرْوَانٌ: لا أسْأَلُكَ بَيِّنَةً بعْد هذا.

فَقَال سعيدٌ: اللَّهُمَّ إنْ كانَتْ كاذبِةً، فَأَعْمِ بصرهَا، وَاقْتُلْهَا في أرْضِهَا.

قَالَ: فَمَا ماتَتْ حَتَّى ذَهَبَ بَصَرُهَا، وبيْنَما هِي تمْشي في أرْضِهَا إذ وَقَعَتْ في حُفْرةٍ فَمَاتتْ.

ويَقولُ أَبُو بَكر بنُ حَزْمٍ: فَكُنَّا وَنَحنُ غِلمَانٌ نَسمَعُ الإِنسَانَ يَقُولُ للإِنسَانِ: أَعمَاكَ اللهُ كَمَا أَعمَى الأَروَى. أهــ.

أيُّها الإخوة الكرام: وَلا عَجَبَ في ذَلِكَ، لأنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُول: «اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ». رواهُ الإمامُ البُخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. فَكَيفَ إذا كانَ المَظلُومُ سعِيدَ بنَ زَيْدٍِ رضي اللهُ عَنْهُ أَحَدَ العَشَرَةِ المُبَشَّرِينَ بِالجَنَّةِ؟

ثانياً: سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ:

أيُّها الإخوة الكرام: سَيِّدُنَا سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ من أَصحَابِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ظَلَمَهُ أَهلُ الكُوفَةِ، وتَوَلَّى كِبْرَ هذا الظُّلمِ رَجُلٌ مِنهُم، لَكِنَّهُ لم يَفلَتْ من قَبْضَةِ اللهِ عزَّ وجلَّ القَائِلِ: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾.

روى الإمام البخاري عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: شَكَا أَهْلُ الْكُوفَةِ سَعْداً إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَعَزَلَهُ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَمَّاراً، فَشَكَوْا حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّهُ لَا يُحْسِنُ يُصَلِّي.

فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ، إِنَّ هَؤُلَاءِ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ لَا تُحْسِنُ تُصَلِّي.

قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: أَمَّا أَنَا واللهِ فَإِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مَا أَخْرِمُ عَنْهَا، أُصَلِّي صَلَاةَ الْعِشَاءِ فَأَرْكُدُ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَأُخِفُّ فِي الْأُخْرَيَيْنِ.

قَالَ: ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ.

فَأَرْسَلَ مَعَهُ رَجُلاً ـ أَوْ رِجَالًا إِلَى الْكُوفَةِ ـ فَسَأَلَ عَنْهُ أَهْلَ الْكُوفَةِ، وَلَمْ يَدَعْ مَسْجِداً إِلَّا سَأَلَ عَنْهُ، وَيُثْنُونَ مَعْرُوفاً، حَتَّى دَخَلَ مَسْجِداً لِبَنِي عَبْسٍ.

فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، يُقَالُ لَهُ أُسَامَةُ بْنُ قَتَادَةَ، يُكْنَى أَبَا سَعْدَةَ قَالَ: أَمَّا إِذْ نَشَدْتَنَا فَإِنَّ سَعْداً كَانَ لَا يَسِيرُ بِالسَّرِيَّةِ، وَلَا يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ، وَلَا يَعْدِلُ فِي الْقَضِيَّةِ.

قَالَ سَعْدٌ: أَمَا واللهِ لَأَدْعُوَنَّ بِثَلَاثٍ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا كَاذِباً قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً فَأَطِلْ عُمْرَهُ، وَأَطِلْ فَقْرَهُ، وَعَرِّضْهُ بِالْفِتَنِ.

وَكَانَ بَعْدُ إِذَا سُئِلَ يَقُولُ: شَيْخٌ كَبِيرٌ مَفْتُونٌ، أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ.

قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: فَأَنَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِن الْكِبَرِ، وَإِنَّهُ لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي فِي الطُّرُقِ يَغْمِزُهُنَّ.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: إذا أَرَدتُم أن تَعِيشُوا حَيَاةً كَرِيمَةً، وأن يَكشِفَ اللهُ تعالى عَنَّا مَا نَحنُ فِيهِ من البَلاءِ، فَلنَسمَعْ قَولَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اسْمَعُوا مِنِّي تَعِيشُوا، أَلَا لَا تَظْلِمُوا، أَلَا لَا تَظْلِمُوا، أَلَا لَا تَظْلِمُوا».

إِيَّايَ وإِيَّاكُم من ظُلمِ إنسَانٍ ولو بِكَلِمَةٍ، أو بِضَرْبَةٍ، أو باتِّهَامٍ، أو بِأَيِّ أَمْرٍ كَانَ، فإنَّ اللهَ تعالى لَيُملِي للظَّالِمِ حَتَّى يَأخُذَهُ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ» ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: اِحذَرُوا سَبِيلَ الظَّلَمَةِ الفُجَّارِ، لَذَّاتُهُم سَوفَ تَذهَبُ ويَبقَى لَهُمُ العَارُ، وسَوفَ يُترَكُونَ في العَذَابِ وَرَاءَ الأَستَارِ، بَينَ أَطبَاقِ الثَّرَى والأَحجَارِ، وتُصَبُّ عَلَيهِمُ اللَّعنَةُ كُلَّمَا ذُكِرُوا، ومَوتُهُم رَاحَةٌ للعِبَادِ والبِلادِ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الشيخان  عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَقَالَ: «مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ».

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟

قَالَ: «الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللهِ، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ».

اللَّهُمَّ لا تَجعَل للظَّالِمِينَ في أَبدَانِنَا وَسْمَاً، ولا تَجعَلْ لَهُم في أَموَالِنَا قِسْمَاً، ولا تَجعَلْ لَنَا في دَوَاوِينِهِم اسمَاً. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

 

الاثنين: 17/محرم /1435هـ، الموافق: 10/تشرين الثاني/ 2014م