5ـ أشراط الساعة: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ»

 

 أشراط الساعة

5ـ «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ»

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ عِزَّةَ الإنسَانِ المُؤمِنِ مُستَمَدَّةٌ من عِزَّةِ اللهِ عزَّ وجلَّ القَوِيِّ العَزِيزِ، وعِزَّتُهُ دَائِمَةٌ بِدَوَامِ اللهِ تعالى، وبَاقِيَةٌ بِبَقَاءِ اللهِ عزَّ وجلَّ، لا يَخفِضُهَا تَأَخُّرٌ حَضَارِيٌّ، ولا تَرَاجُعٌ عِلمِيٌّ، ولا تَقَهقُرٌ مَادِّيٌّ، فالأُمَّةُ المُحَمَّدِيَّةُ المُؤمِنَةُ عَزِيزَةٌ مَهمَا كَانَت ظُرُوفُهَا، إنْ صَدَقَتْ في إِيمَانِهَا وعُبُودِيَّتِهَا للهِ عزَّ وجلَّ، قال تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.

ورَحِمَ اللهُ تعالى من قَالَ:

وَمِمَّـا زَادَنِي شَـرَفـاً وَتِـيــهـاً   ***   وَكِدْتُ بِأَخْمُصِي أَطَأُ الثُّرَيَّا

دُخُولِي تَحْتَ قَوْلِك يَا عِبَادِي   ***   وَأَنْ صَـيَّرْت أَحْمَدَ لِي نَبِيَّا

نَهْيُ الأُمَّةِ عن اتِّبَاعِ غَيرِ مَنهَجِهَا:

أيُّها الإخوة الكرام: وتَأكِيدَاً لهذهِ العِزَّةِ للأُمَّةِ المُؤمِنَةِ نُهِيَتِ الأُمَّةُ عن اتِّبَاعِ الكَافِرِينَ وأَيِّ أُمَّةٍ من الأُمَمِ الكَافِرَةِ، قال تعالى: ﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ﴾. وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ تَقلِيدَ الكَافِرِينَ والتَّشَبُّهَ بِهِم من أَعظَمِ صُوَرِ الطَّاعَةِ لَهُم، وقد حَذَّرَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من ذلكَ بِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ، مِنهَا:

أولاً: مَا رواه الترمذي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا، لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى، فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْيَهُودِ الْإِشَارَةُ بِالْأَصَابِعِ، وَتَسْلِيمَ النَّصَارَى الْإِشَارَةُ بِالْأَكُفِّ».

ثانياً: مَا رواه أبو داود عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ».

ثالثاً: مَا رواه الإمام البخاري عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ، وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ».

«لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ»:

أيُّها الإخوة الكرام: من الأُمُورِ الغَيبِيَّةِ التي حَدَّثَنَا عَنهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، والتي تَقَعُ قَبلَ قِيَامِ السَّاعَةِ، أنَّهُ مَا من شَيءٍ فُعِلَ في الأُمَمِ السَّابِقَةِ إلا هوَ كَائِنٌ ومَصنُوعٌ في هذهِ الأُمَّةِ، حَذْوَ ـ أي: بِمُوَازَاتِهِ وَمُقَابَلَتِهِ وَمُسَاوَاتِهِ ـ القُذَّةِ بالقُذَّةِ ـ أي إنَّهُم يَسِيرُونَ عَلَى نَهْجٍ وَاحِدٍ ولا يَختَلِفَانِ، وَيَتبَعُ بَعضُهُم بَعضَاً ـ وحَذْوَ النَّعْلِ بالنَّعْلِ، وذلكَ من شِدَّةِ اتِّبَاعِهَا لِمَا سَبَقَ، والمُشتَكَى إلى اللهِ.

روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ، شِبْراً بِشِبْرٍ، وَذِرَاعاً بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ».

قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟

قَالَ: «فَمَنْ!؟».

وروى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَأْخُذَ أُمَّتِي بِأَخْذِ الْقُرُونِ قَبْلَهَا، شِبْراً بِشِبْرٍ، وَذِرَاعاً بِذِرَاعٍ».

فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَفَارِسَ وَالرُّومِ؟

فَقَالَ: «وَمَن النَّاسُ إِلَّا أُولَئِكَ؟!».

وروى الإمام الترمذي عَنْ عَبْدِ اللِه بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ، حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلَانِيَةً لَكَانَ فِي أُمَّتِي مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ، وَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً».

قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: «مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي».

وروى الإمام الحاكم عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَتَركَبُنَّ سَنَنَ مَن كَانَ قَبلَكُمْ، شِبْرَاً بِشِبْرٍ، وَذِرَاعَاً بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَو أنَّ أَحَدَهُم دَخَلَ حِجْرَ ضَبٍّ لَدَخَلتُمْ، وَحَتَّى لَو أنَّ أَحَدَهُمْ جَامَعَ امرَأَتَهُ بالطَّرِيقِ لَفَعَلتُمُوهُ». وعِندَ البَزَّارِ: «لَو جَامَعَ أُمَّهُ».

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ التَّشَبُّهَ بالظَّالِمِينَ في الظَّاهِرِ يُوَرِّثُ نَوعَ مَوَدَّةٍ ومَحَبَّةٍ ومُوَالاةٍ في البَاطِنِ، كَمَا أنَّ المَحَبَّةَ في البَاطِنِ تُوَرِّثُ التَّشَبُّهَ في الظَّاهِرِ، والمُوَالاةُ والرُّكُونُ إلى الظَّالِمِينَ يُنَافِي الإيمَانَ، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ المُؤمِنِينَ المُلتَزِمِينَ أَهدَى النَّاسِ طَرِيقَاً، وأَقوَمُهُم سَبِيلاً، وأَرشَدُهُم سُلُوكَاً في هذهِ الحَيَاةِ الدُّنيَا، وقد أَقَامَهُمُ اللهُ تعالى مَقَامَ الشَّهَادَةِ على الأُمَمِ كُلِّهَا، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾.

كَيفَ يَتَنَاسَبُ مَعَ ذلكَ أن يَكُونَ المُؤمِنُونَ أَتبَاعَاً لِغَيرِهِم من كُلِّ نَاعِقٍ، يُقَلِّدُونَهُم في عَادَاتِهِم، ويُحَاكُونَهُم في أَعيَادِهِم وتَقَالِيدِهِم، وسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَهَى المُسلِمِينَ جَمِيعَاً أن يَتَلَّقَّوا عن أَهلِ الكِتَابِ؟

روى الإمام أحمد  عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ، فَقَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَغَضِبَ.

فَقَالَ: «أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ ـ أي: أَمُتَحَيِّرُونَ؟ ـ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حَيَّاً مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي».

أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لا يُحِبُّ لأَصحَابِهِ التَّشَبُّهَ بِغَيرِ المُؤمِنِينَ، روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَكِّئٌ عَلَى عَصاً، فَقُمْنَا إِلَيْهِ.

فَقَالَ: «لَا تَقُومُوا كَمَا تَقُومُ الْأَعَاجِمُ، يُعَظِّمُ بَعْضُهَا بَعْضاً».

قَالَ: فَكَأَنَّا اشْتَهَيْنَا أَنْ يَدْعُوَ اللهَ لَنَا.

فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا، وَارْضَ عَنَّا وَتَقَبَّلْ مِنَّا، وَأَدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَنَجِّنَا مِن النَّارِ، وَأَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ».

فَكَأَنَّا اشْتَهَيْنَا أَنْ يَزِيدَنَا.

فَقَالَ: «قَدْ جَمَعْتُ لَكُمُ الْأَمْرَ».

نَعَم أيُّها الإخوة الكرام: رَضِيَ اللهُ تعالى عن سَيِّدِنَا عُمَرَ عِندَمَا قَالَ: نَحنُ قَومٌ أَعَزَّنَا اللهُ بالإسلامِ، ومَهمَا ابتَغَينَا العِزَّةَ بِغَيرِهِ أَذَلَّنَا اللهُ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّنَا بِإسلامِنَا، وأَعِزَّ إسلامَنَا بِنَا يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

 

الأربعاء: 19/محرم /1435هـ، الموافق: 12/تشرين الثاني/ 2014م