6ـ أشراط الساعة: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ»

 

 أشراط الساعة

6ـ «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ»

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: من أَشرَطِ السَّاعَةِ وعَلامَاتِهَا التي ظَهَرَت بِعثَةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَد بُعِثَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَينَ يَدَيِ السَّاعَةِ، بل في نَفسِ السَّاعَةِ، حَتَّى كَادَتِ السَّاعَةُ أن تَسبِقَهُ من شِدَّةِ قُرْبِهَا، فَسَبَقَهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في ظُهُورِهِ وبِعْثَتِهِ.

روى الشيخان عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ» وَضَمَّ السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى.

وروى الإمام أحمد عَنْ وَهْبٍ السُّوَائِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَذِهِ مِنْ هَذِهِ، وَإِنْ كَادَتْ لَتَسْبِقُهَا».

وَجَمَعَ الْأَعْمَشُ السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى؛ وَقَالَ مُحَمَّدٌ مَرَّةً: «إِنْ كَادَتْ لَتَسْبِقُنِي».

أَهَمِّيَّةُ الحَدِيثِ عن أَشرَاطِ السَّاعَةِ:

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ الحَدِيثَ عن اليَومِ الآخِرِ، وعن أَشرَاطِ السَّاعَةِ لَيسَ من بَابِ الثَّقَافَةِ الذِّهْنِيَّةِ فَحَسْبُ، بل إنَّ الإيمَانَ باليَومِ الآخِرِ هوَ رُكْنٌ من أَركَانِ الإيمَانِ، بِحَيثُ لا يَصِحُّ إيمَانُ العَبدِ إلا بِهِ أَصْلاً وابتِدَاءً.

روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ يَوْماً بَارِزاً لِلنَّاسِ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الْإِيمَانُ؟

قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ باللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكِتَابِهِ وَلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ الْآخِرِ».

 ولا يُمكِنُ أن يَستَقِرَّ إِيمَانُ العَبدِ باليَومِ الآخِرِ إلا إذا وَقَفَ على حَقِيقَةِ هذا اليَومِ، وعَرَفَ عَلامَاتِ وُقُوعِهِ.

وإذا استَقَرَّ الإيمَانُ باللهِ واليَومِ الآخِرِ في قَلبِ العَبدِ، دَفَعَهُ ذلكَ إلى الاستِقَامَةِ على مَنهَجِ اللهِ تعالى، وعلى طَرِيقِ الحَبِيبِ الأَعظَمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لأنَّهُ سَيَعلَمُ يَقِينَاً أَنَّهُ غَدَاً سَيَقِفُ بَينَ يَدَيِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وسَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ، لَيسَ بَينَهُ وبَينَهُ تُرجُمَانٌ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الشيخان عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ اللهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ، وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ». ثمَّ يُقَالُ لَهُ: ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً﴾.

السَّاعَةُ آتِيَةٌ:

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيبَ فِيهَا، كَمَا قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾.

وإذا كَانَ البَشَرُ يَرَونَ السَّاعَةَ بَعِيدَةً، فإنَّ خَالِقَ البَشَرِ يُخبِرُ بأَنَّهَا قَرِيبَةٌ، قَالَ جَلَّ جَلالُهُ: ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً﴾. وقال تعالى: ﴿أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: لقد عَبَّرَ اللهُ تعالى عن قُرْبِ السَّاعَةِ بالغَدِ القَرِيبِ، والغَدُ هوَ اليَومُ الثَّانِي لليَومِ الذي تَعِيشُ فِيهِ الأُمَّةُ، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.

أَهَمِّيَّةُ الوَقتِ عِندَ المُؤمِنِ:

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ الوَقتَ الذي يَعِيشُهُ الإنسَانُ في هذهِ الحَيَاةِ الدُّنيَا هوَ أَنفَسُ مَا عِندَ الإنسَانِ المُؤمِنِ الذي آمَنَ باللهِ واليَومِ الآخِرِ، فلا يُقَدَّرُ بِثَمَنٍ، وكُلُّ مَفْقُودٍ يُمكِنُ أن يُستَرْجَعَ إلا الوَقتَ، فَهُوَ إنْ ضَاعَ فلا أَمَلَ في عَوْدَتِهِ مُطْلَقَاً، لذلكَ كَانَ لِزَامَاً على المُؤمِنِ أن يَحْفَظَهُ فِيمَا يَنفَعُهُ في آخِرَتِهِ ودُنيَاهُ.

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ العُمُرَ الذي نَعِيشُهُ هوَ مَزرَعَتُنَا التي نَجْنِي ثِمَارَهَا في الآخِرَةِ، فإنْ زَرَعْنَا بِخَيرٍ وعَمَلٍ صَالِحٍ جَنَينَا السَّعَادَةَ والفَلاحَ، وكُنَّا مَعَ الذينَ يُنَادَى عَلَيهِم يَومَ القِيَامَةِ: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ﴾.

وإنْ ضُيِّعَ هذا العُمُرَ ـ لا قَدَّرَ اللهُ تعالى ـ في الغَفَلاتِ، وزُرِعَ بالمَعَاصِي والمُنكَرَاتِ والمُحَرَّمَاتِ، فَسَوفَ يَندَمُ صَاحِبُهُ أَشَدَّ النَّدَمِ، حَيثُ لا يَنفَعُهُ النَّدَمُ، ويَتَمَنَّى لو رَجَعَ إلى الدُّنيَا لِيَعمَلَ ولو حَسَنَةً وَاحِدَةً، ولكن هَيهَاتَ هَيهَاتَ، قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ الإنسَانَ المُؤمِنَ باللهِ واليَومِ الآخِرِ يُحَافِظُ على وَقْتِهِ مُحَافَظَةً شَدِيدَةً، لأنَّ الوَقتَ عُمُرُهُ، فإذا أَضَاعَ مِنهُ ولو شَيئَاً يَسِيرَاً في غَيرِ مَا شَرَعَهُ اللهُ تعالى كَانَ عَلَيهِ حَسْرَةً ونَدَامَةً يَومَ القِيَامَةِ.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: السَّاعَةُ آتِيَةٌ، إنْ كَانَتِ الصُّغرَى، وإنْ كَانَتِ الكُبْرَى، وإِنِّي أَسأَلُ اللهَ تعالى أن يُعِينَنَا على السَّاعَتَينِ، الأُولَى بِحُسْنِ الخِتَامِ، من غَيرِ ابتِلاءٍ ولا مِحْنَةٍ، والثَّانِيَةُ بِمُرَافَقَةِ سَيِّدِنَا وحَبِيبِنَا سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَلَيهِ وآلِهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في جَنَّاتِ الخُلْدِ، اللَّهُمَّ آمين.

ولنَسْمَعْ لأمْرِ اللهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: اُنظُرُوا إلى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القَائِلِ: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ». كَيفَ كَانَ يَتَهَيَّأُ للآخِرَةِ؟ وكَيفَ كَانَ يَعمَلُ؟ فَهَل نَغتَنِمُ أَنفَاسَ أَعمَارِنَا في طَاعَةِ اللهِ تعالى، وخَاصَّةً في فَصْلِ الشِّتَاءِ، الذي طَالَ لَيْلُهُ، وقَصُرَ نَهَارُهُ؟

اللَّهُمَّ وَفِّقنَا لما يُرضِيكَ عَنَّا. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 26/محرم /1435هـ، الموافق: 19/تشرين الثاني/ 2014م