413ـ خطبة الجمعة: الموعودون بالنار (2)

 

 413ـ خطبة الجمعة: الموعودون بالنار (2)

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيَا عِبَادَ اللهِ، إنَّ المُؤمِنَ الحَقَّ يَسعَى سَعْيَاً جَادَّاً وحَثِيثَاً ومُتَوَاصِلاً يَطلُبُ النَّجَاةَ من عَذَابِ اللهِ تعالى يَومَ القِيَامَةِ، وأن يَكُونَ مِمَّنْ زُحزِحَ عن النَّارِ، وأُدخِلَ الجَنَّةَ.

يَا عِبَادَ اللهِ، الإنسَانُ المُؤمِنُ في الحَيَاةِ الدُّنيَا حَالُهُ حَالُ الرَّجُلِ الغَرِيبِ، فَهُوَ يَسـأَلُ عن طَرِيقِ الفَلاحِ والنَّجَاحِ، حَتَّى يَسلُكَهُ، ويَسأَلُ عن طَرِيقِ الهَلاكِ والخُسْرَانِ، حَتَّى يَجتَنِبَهُ.

يَا عِبَادَ اللهِ، لقد كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَتَعَاهَدُ أَصحَابَهُ بِمَوَاعِظَ تَوْجَلُ مِنهَا القُلُوبُ، وتَذرِفُ مِنهَا العُيُونُ، وتَرتَعِدُ مِنهَا الفَرَائِصُ.

روى الإمام أحمد عن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَقُولُ: «أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ، أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ، أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ، حَتَّى لَوْ أَنَّ رَجُلاً كَانَ بِالسُّوقِ لَسَمِعَهُ مِنْ مَقَامِي هَذَا، حَتَّى وَقَعَتْ خَمِيصَةٌ ـ الخَمِيصَةُ: ثَوبٌ أَسوَدُ أو أَحمَرُ لَهُ أَعلامٌ ـ كَانَتْ عَلَى عَاتِقِهِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ».

﴿فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى﴾:

يَا عِبَادَ اللهِ، الحَيَاةُ الدُّنيَا حَيَاةُ ابتِلاءٍ وتَكلِيفٍ وعَمَلٍ، والآخِرَةُ حَيَاةُ حِسَابٍ وفَصْلٍ وقَضَاءٍ وجَزَاءٍ، وقد أَنذَرَ اللهُ تعالى عِبَادَهُ وحَذَّرَهُم من نَارٍ مُلتَهِبَةٍ، فَقَالَ تعالى: ﴿ فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى﴾. نَارَاً مُتَوَهِّجَةً مُلتَهِبَةً مُتَوَقِّدَةً بالنَّاسِ والحِجَارَةِ ـ والعِيَاذُ باللهِ تعالى ـ.

يَا عِبَادَ اللهِ، أَقرَبُ شَيءٍ من الحَيَاةِ المَوتُ، ولَيسَ بَينَنَا وبَينَهُ إلا أن يُقَالَ: مَاتَ فُلانٌ، والدُّنيَا مَوصُولَةٌ بالآخِرَةِ، فمن حَضَرَ أَجَلُهُ رَحَلَ وقَدِمَ على مَا قَدَّمَ من العَمَلِ ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرَّاً يَرَهُ﴾.

الزُّنَاةُ على مَوعِدٍ في نَارِ جَهَنَّمَ:

يَا عِبَادَ اللهِ، لقد شَاءَ اللهُ تعالى أن يَجعَلَنَا على بَصِيرَةٍ من أَمْرِنَا، فَبَيَّنَ لَنَا في كِتَابِهِ العَظِيمِ أَعمَالَ أَهلِ الجَنَّةِ، وأَعمَالَ أَهلِ النَّارِ، فمن أَعمَالِ أَهلِ النَّارِ ـ والعِيَاذُ باللهِ تعالى ـ الزِّنَا، فالزُّنَاةُ مَوعُودُونَ بِنَارِ جَهَنَّمَ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً﴾.

الزُّنَاةُ الذينَ استَحَلُّوا هذهِ الجَرِيمَةَ هُم على مَوعِدٍ بِنَارِ جَهَنَّمَ، حَيثُ يُضَاعَفُ عَلَيهِمُ العَذَابُ، مَعَ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ لَنَا في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ بأَنَّ أَخَفَّ النَّاسِ عَذَابَاً رَجَلٌ يُوضَعُ في أَخمَصِ قَدَمَيهِ جَمرَتَانِ من نَارٍ يَغلِي مِنهُمَا دِمَاغُ رَأسِهِ.

روى الإمام البخاري عَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ عَلَى أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ وَالْقُمْقُمُ».

وروى الإمام مسلم عَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً مَنْ لَهُ نَعْلَانِ وَشِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ، يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ، كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ، مَا يَرَى أَنَّ أَحَداً أَشَدُّ مِنْهُ عَذَاباً، وَإِنَّهُ لَأَهْوَنُهُمْ عَذَاباً».

إذا كَانَ هذا حَالَ أَخَفِّ النَّاسِ عَذَابَاً يَومَ القِيَامَةِ، فَكَيفَ حَالُ العَبدِ الذي يُضَاعَفُ عَلَيهُ العَذَابُ؟

دِينُنَا دِينُ طُهْرٍ وعَفَافٍ:

يَا عِبَادَ اللهِ، من ثَوَابِتِ دِينِنَا ومَبَادِئِهِ السَّامِيَةِ العَالِيَةِ، أنَّهُ دِينُ طُهْرٍ وعَفَافٍ وفَضِيلَةٍ، دِينُ حِجَابٍ وسَتْرٍ، دِينُ مُحَارَبَةِ الرَّذِيلَةِ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾. وقَالَ تعالى: ﴿واللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً﴾.

ومن أَجلِ هذا المَبدَأِ الجَلِيلِ، والخُلُقِ النَّبِيلِ، حَرَّمَ الإسلامُ الزِّنَا وكُلَّ مَا يُؤَدِّي إِلَيهِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ، لقد ذَكَرَ اللهُ تعالى صِفَاتِ عِبَادِ الرَّحمنِ، وهُمُ المُؤمِنُونَ حَقَّاً بِقَولِهِ: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً﴾.

الزُّنَاةُ أَصحَابُ قُلُوبٍ مَرِيضَةٍ:

يَا عِبَادَ اللهِ، إنَّ الزِّنَا لا يَكُونُ إلا في نُفُوسٍ عَلِيلَةٍ، وقُلُوبٍ مَرِيضَةٍ، سَيطَرَ عَلَيهَا حُبُّ الشَّهَوَاتِ، وغَابَ عَنهَا النَّظَرُ في العَوَاقِبِ والمَآلاتِ، هَل عَلِمَ الزُّنَاةُ حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ»؟ رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

الزَّانِي ضَعِيفُ الإيمَانِ، ضَعِيفُ الوَازِعِ الإيمَانِيِّ، خَالٍ قَلبُهُ من خَوفِ ذِي الجَبَرُوتِ والسُّلطَانِ، مُنسَاقٌ خَلفَ الشَّهَوَاتِ والأَهوَاءِ، حَتَّى صَارَ عَبدَاً لَهَا.

وهَل عَلِمَ الزُّنَاةُ بأنَّ عُقُوبَةَ الزَّانِي المُحصَنِ الرَّجْمُ بالحِجَارَةِ حَتَّى المَوتِ، وعُقُوبَةَ الزَّانِي غَيرِ المُحصَنِ مِائَةُ جَلدَةٍ، وتَغرِيبُ عَامٍ؟

قَالَ تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ باللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

وروى الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ، النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالْمَارِقُ مِن الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ».

أَقبَحُ أَنوَاعِ الزِّنَا:

يَا عِبَادَ اللهِ، من أَقبَحِ أَنوَاعِ الزِّنَا الزِّنَا بامرَأَةِ الجَارِ، روى الإمام أحمد عن الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: «مَا تَقُولُونَ فِي الزِّنَا؟».

قَالُوا: حَرَّمَهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، فَهُوَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: «لَأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرِ نِسْوَةٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ».

ومن أَقبَحِ أَنوَاعِ الزِّنَا زِنَا الرَّجُلِ الكَبِيرِ، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ».

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ، قُولُوا لمن سَوَّلَتْ لَهُ نَفسُهُ اتِّبَاعَ الشَّهَوَاتِ، وخَاصَّةً في هذهِ الأَزمَةِ: إنَّ الزِّنَا يَنْزِعُ الإيمَانَ من القُلُوبِ، ويَطْمِسُ البَصِيرَةَ، كَمَا يَقُولُ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما: لا يَزنِي مِنكُمُ الزَّانِي إلا نَزَعَ اللهُ نُورَ الإيمَانِ من قَلبِهِ، فإنْ شَاءَ أن يَرُدَّهُ رَدَّهُ، وإنْ شَاءَ أن يَمنَعَهُ مَنَعَهُ.

قُولُوا لَهُ: إنَّ الزِّنَا عَاقِبَتُهُ وَخِيمَةٌ في الدُّنيَا والآخِرَةِ، وإنَّ الزُّنَاةَ الذينَ استَحَلُّوا مَا حَرَّمَ اللهُ تعالى عَلَيهِم هُم على مَوعِدٍ بِنَارِ جَهَنَّمَ، حَيثُ يُضَاعَفُ لَهُمُ العَذَابُ.

يَا عِبَادَ اللهِ، اِستَحْضِرُوا عِندَ كُلِّ قَولٍ وفِعْلٍ قَولَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا» رواه الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

يَا عِبَادَ اللهِ، لَذَّةُ سَاعَةٍ مُحَرَّمَةٍ يَستَحِلُّهَا الإنسَانُ تَجعَلُ حَيَاتَهُ في الدُّنيَا ضَنْكَاً، وقَبْرَهُ ضَيِّقَاً، ثمَّ يُضَاعَفُ لَهُ العَذَابُ يَومَ القِيَامَةِ، ويَخْلُدُ فِيهِ مُهَانَاً.

اللَّهُمَّ احفَظْنَا من جَمِيعِ الفِتَنِ، مَا ظَهَرَ مِنهَا ومَا بَطَنَ. آمين.

أقُولُ هَذا القَولَ، وأستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم، فَاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 13/صفر /1435هـ، الموافق: 5/كانون الأول / 2014م