2ـ مع الصحابة و آل البيت: {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ}

 

مع الصحابة و آل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

2ـ ﴿يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ﴾

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ من الأُصُولِ المُسَلَّمَةِ بِهَا عِندَ أَهلِ السُّنَّةِ سَلامَةَ قُلُوبِهِم وأَلسِنَتِهِم على أَصحَابِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ومِمَّا لا شَكَّ فِيهِ أنَّ آلَ البَيتِ الذينَ كَانُوا في زَمَنِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هُم من الصَّحَابَةِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، فقد حَازُوا على شَرَفَينِ عَظِيمَينِ، أَنَّهُم من آلِ البَيتِ، وأَنَّهُم من الصَّحَابَةِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم.

ولقد وَصَفَ اللهُ تعالى المُؤمِنِينَ الذينَ جَاؤُوا بَعدَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم بِقَولِهِ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلَّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: لقد أَمَرَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الأُمَّةَ كُلَّهَا بِقَولِهِ: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. ولا شَكَّ بِأَنَّ آلَ البَيتِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم هُم من الصَّحْبِ الكِرَامِ.

مَكَانَةُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم في القُرآنِ العَظِيمِ:

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ للصَّحَابَةِ الكِرَامِ مَكَانَةً عَظِيمَةً في قُلُوبِ المُؤمِنِينَ، وكَيفَ لا تَكُونُ هذهِ المَكَانَةُ في قُلُوبِهِم، وقد مَدَحَهُمُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ العَظِيمِ في مَوَاطِنَ مُتَعَدِّدَةٍ:

قال تعالى: ﴿لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾.

وقال تعالى: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً﴾.

 وقال تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.

وقال تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾.

وقال تعالى: ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلَّاً وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى واللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾.

مَكَانَةُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ:

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ للصَّحَابَةِ الكِرَامِ مَكَانَةً عَظِيمَةً في قُلُوبِ المُؤمِنِينَ، وكَيفَ لا تَكُونُ هذهِ المَكَانَةُ في قُلُوبِهِم، وقد مَدَحَهُمُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في حَدِيثِهِ الشَّرِيفِ، وهوَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ، الذي مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى.

روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: صَلَّيْنَا الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قُلْنَا: لَوْ جَلَسْنَا حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَهُ الْعِشَاءَ؛ فَجَلَسْنَا.

فَخَرَجَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: «مَا زِلْتُمْ هَاهُنَا؟».

قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، صَلَّيْنَا مَعَكَ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ قُلْنَا: نَجْلِسُ حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَكَ الْعِشَاءَ.

قَالَ: «أَحْسَنْتُمْ ـ أَوْ أَصَبْتُمْ ـ».

قَالَ: فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَكَانَ كَثِيراً مِمَّا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: «النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ».

وروى الإمام أحمد والترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اللهَ اللهَ فِي أَصْحَابِي، اللهَ اللهَ فِي أَصْحَابِي، لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضاً بَعْدِي، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ، فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ، فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ، وَمَنْ آذَاهُمْ، فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي، فَقَدْ آذَى اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَمَنْ آذَى اللهَ، فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ».

وروى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَبَّ أَصْحَابِي فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ».

وفي رِوَايَةٍ لَهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، عَنِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَعَنَ اللهُ مَنْ سَبَّ أَصْحَابِي».

وروى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابِي فَأَمْسِكُوا، وَإِذَا ذُكِرَتِ النُّجُومُ فَأَمْسِكُوا، وَإِذَا ذُكِرَ الْقَدَرُ فَأَمْسِكُوا».

تَبْجِيلُ آلِ البَيتِ للأَصحَابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم:

أيُّها الإخوة الكرام: سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَدَّبَ الصَّحَابَةَ الكِرَامَ جَمِيعَاً، بِمَا فِيهِم آلَ البَيتِ، رَضِيَ اللهُ عَنهُم جَمِيعَاً، أَدَّبَ الصَّحَابَةَ على تَبْجِيلِ آلِ البَيتِ، كَمَا أَدَّبَ آلَ البَيتِ على تَبْجِيلِ الصَّحَابَةِ، ومَا ذَاكَ إلا لِتَتَعَلَّمَ الأُمَّةُ الأَدَبَ مَعَ الصَّحَابَةِ وآلِ البَيتِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم جَمِيعَاً.

أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ التَّعظِيمُ والإِجلالُ خُلُقَاً مُتَبَادَلاً بَينَ الصَّحَابَةِ الكِرَامِ وآلِ البَيتِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، فَكَمَا أنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُم كَانُوا يُقَدِّرُونَ آلَ البَيتِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، فَكَذَلِكَ كَانَ القَرَابَةُ يُجِلُّونَ الصَّحَابَةَ الكِرَامَ الإِجلالَ الجَلِيَّ.

إِجلالُ أَبِي السِّبْطَينِ للصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد عَلَّمَنَا آلُ بَيتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَيفَ الإِجلالُ والاحتِرَامُ والتَّقدِيرُ للصَّحَابَةِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، فهذا سَيِّدُنَا أَبُو السِّبْطَينِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم يَقُولُ: كُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَدِيثاً نَفَعَنِي اللهُ مِنْهُ بِمَا شَاءَ أَنْ يَنْفَعَنِي بِهِ، وَإِذَا حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ اسْتَحْلَفْتُهُ، فَإِذَا حَلَفَ لِي صَدَّقْتُهُ، وَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ رَجُلٍ يُذْنِبُ ذَنْباً، ثُمَّ يَقُومُ فَيَتَطَهَّرُ، ثُمَّ يُصَلِّي، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللهَ، إِلَّا غَفَرَ اللهُ لَهُ». ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾. هذا تَقدِيرُ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ للصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

إِجلالُ أَبِي الحَسَنَينِ للفَارُوقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم:

أيُّها الإخوة الكرام: أمَّا إِجلالُ واحتِرَامُ وتَقدِيرُ أَبِي الحَسَنَينِ للفَارُوقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، فَاسْمَعْهُ، روى الشيخان عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما ـ وهُمَا من آلِ البَيتِ ـ قَالَ: وُضِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى سَرِيرِهِ، فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعُونَ وَيُثْنُونَ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ، وَأَنَا فِيهِمْ، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا بِرَجُلٍ قَدْ أَخَذَ بِمَنْكِبِي مِنْ وَرَائِي، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ عَلِيٌّ، فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ، وَقَالَ: مَا خَلَّفْتَ أَحَداً أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ.

وَايْمُ اللهِ إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ، وَذَاكَ أَنِّي كُنْتُ أُكَثِّرُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «جِئْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ».

فَإِنْ كُنْتُ لَأَرْجُو أَوْ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللهُ مَعَهُمَا.

أيُّها الإخوة الكرام: حَدِيثَانِ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِمَا يَذْهَبُ بِأَبْصَارِ من أَورَدَ نَفْسَهُ المَهَالِكَ، فَظَنَّ بآلِ بَيتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وبالأَصحَابِ خِلافَ ذلكَ فَقَد هَلَكَ.

سُؤَالٌ يُوَجَّهُ لِسَيِّدِنَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ:

أيُّها الإخوة الكرام: في خَلْوَةٍ بَينَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدِ بنِ الحَنَفِيَّةِ مَعَ وَالِدِهِ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، يَسأَلُ الوَلَدُ وَالِدَهُ عن خَيرِ البَرِيَّةِ بَعدَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

روى الإمام البخاري عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

قَالَ: أَبُو بَكْرٍ.

قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟

قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ.

وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ: عُثْمَانُ؛ قُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ؟

قَالَ: مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِن الْمُسْلِمِينَ.

وفي رِوَايَةِ أَبِي داود قَالَ: ثُمَّ أَنْتَ يَا أَبَتِ؟

قَالَ: مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِن الْمُسْلِمِينَ.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: كُونُوا على يَقِينٍ بأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَبَّى أَصحَابَهُ الكِرَامَ وآلَ بَيتِهِ الأَطهَارَ رَضِيَ اللهُ عَنهُم جَمِيعَاً على كَمَالِ الأَدَبِ، فَكَانَ الصَّحْبُ رَضِيَ اللهُ عَنهُم يُبَجِّلُونَ القَرَابَةَ والآلَ، كَمَا كَانَ الآلُ والقَرَابَةُ يُبَجِّلُونَ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُم.

أيُّها الإخوة الكرام: نَحنُ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى قِرَاءَةِ تَارِيخِ آلِ البَيتِ والأَصحَابِ، لِنَتَعَرَّفَ على مَكَانَةِ آلِ البَيتِ الأَطهَارِ في نُفُوسِ الصَّحَابَةِ الأَبرَارِ، والعَكسُ بالعَكسِ، حَتَّى تَلهَجَ بَعدَ ذلكَ أَلسِنَتُنَا بِقَولِنَا: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلَّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾.

اللَّهُمَّ اجعَلنَا كذلكَ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 10/ربيع الأول /1435هـ، الموافق: 1/كانون الثاني / 2015م