4ـ مع الصحابة و آل البيت: أَبَرُّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ (2)

 

مع الصحابة و آل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

4ـ أَبَرُّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ (2)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: لقد أَدَّبَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على بِرِّ الوَالِدَينِ، وذلكَ من خِلالِ تَعلِيمِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لآلِ بَيتِهِ الكِرَامِ، ولِصَحَابَتِهِ الأَخيَارِ، ومن صُوَرِ بِرِّ الوَالِدَينِ أن يَحفَظَ الرَّجُلُ وُدَّ أَبِيهِ.

روى الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، أَنَّ رَجُلاً مِن الْأَعْرَابِ لَقِيَهُ بِطَرِيقِ مَكَّةَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ وَحَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ، وَأَعْطَاهُ عِمَامَةً كَانَتْ عَلَى رَأْسِهِ.

فَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ: فَقُلْنَا لَهُ: أَصْلَحَكَ اللهُ، إِنَّهُمُ الْأَعْرَابُ، وَإِنَّهُمْ يَرْضَوْنَ بِالْيَسِيرِ.

فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: إِنَّ أَبَا هَذَا كَانَ وُدَّاً لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ».

أيُّها الإخوة الكرام: هكذا كَانَ أَصحَابُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَحفَظُونَ وُدَّ آبَائِهِم، لأنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَدَّبَهُم على ذلكَ.

أيُّها الإخوة الكرام: إذا كَانَ أَصحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَحفَظُونَ وُدَّ آبَائِهِم، فَآلُ البَيتِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم كَانُوا أَولَى بذلكَ، فَلَقَد كَانُوا يَحفَظُونَ وُدَّ أَبِيهِم سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وضَرَبُوا أَروَعَ الأَمثِلَةِ في حِفْظِ وُدِّ أَبِيهِم سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وعَلَّمُوا مَن بَعدَهُم كَيفَ يَكُونُ حِفْظُ وُدِّ الآبَاءِ.

أيُّها الإخوة الكرام: لقد بَلَغَ بِآلِ البَيتِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم بِرَّاً بِأَبِيهِم سَيِّدِ الخَلْقِ، وحَبِيبِ الحَقِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى مَحَبَّةِ ومَوَدَّةِ صَحَابَتِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، فَأَحَبُّوهُم أَعظَمَ الحُبِّ، وبَجَّلُوهُم أَعظَمَ التَّبجِيلِ، وعَرَفُوا حَقَّهُم ومَنزِلَتَهُم، فَصَدَقُوا في حُبِّهِم وَوَفَائِهِم لَهُم، إِكرَامَاً لأَبِيهِم سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وخَيرُ شَاهِدٍ على ذلكَ أَنَّهُم سَمَّوا بَعْضَ أَبنَائِهِمُ النُّجَبَاءِ بِأَسمَاءِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم جَمِيعَاً.

مِنهُم من سَمَّى بَعْضَ بَنَاتِهِ بِعَائِشَةَ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد تَسَابَقَ آلُ البَيتِ الأَطهَارِ إلى تَسمِيَةِ أَبنَائِهِم بأَسمَاءِ الصَّحَابَةِ الكِرَامِ، وبِأَسمَاءِ زَوجَاتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وخَاصَّةً بالنِّسبَةِ للسَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها.

هذا سَيِّدُنَا جَعفَرُ الصَّادِقُ بنُ مُحَمَّدِ البَاقَرِ بنِ عَلِيٍّ زَينِ العَابِدِينَ بن الحُسَينِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، وهوَ سَيِّدُ أَهلِ البَيتِ الكِرَامِ، يُسَمِّي ابنَتَهُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها.

وهذا سَيِّدُنَا مُوسَى الكَاظِمُ بنُ جَعفَرَ الصَّادِقِ يُسَمِّي ابنَتَهُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها.

وهذا جَعفَرُ بنُ مُوسَى الكَاظِمِ يُسَمِّي ابنَتَهُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها.

وهذا عَلِيُّ الهَادِي بنُ مُحَمَّدِ الجَوَادِ بنِ عَليِّ الرِّضَا يُسَمِّي ابنَتَهُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها.

وهذا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ جَعفَرَ بنِ الحَسَنِ المُثَنَّى بنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ يُسَمِّي ابنَتَهُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها.

من هذهِ المَرأَةُ التي نَسَبتُم إِلَيهَا بَنَاتِكُمُ الطَّاهِرَاتِ؟

أيُّها الإخوة الكرام: لَو سَأَلنَا آلَ البَيتِ الأَبرَارَ الأَطهَارَ الأَخيَارَ: من هذهِ المَرأَةُ التي نَسَبتُم إِلَيهَا بَنَاتِكُمُ الطَّاهِرَاتِ؟

لأَجَابَ آلُ البَيتِ الأَخيَارِ جَوَابَاً صَدَّرُوهُ بِكَلِمَةِ التَّعَجُّبِ: سُبحَانَ اللهِ! أَتَسأَلُونَ لماذا سَمَّينَا بَنَاتِنَا الطَّاهِرَاتِ بِاسْمِ عَائِشَةَ؟ أَمَا تَعرِفُونَ من هيَ عَائِشَةُ التي سَمَّينَا بَنَاتِنَا بِاسْمِهَا؟ عَائِشَةُ هيَ:

أولاً: جَاءَ بِهَا المَلَكُ:

السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنها هيَ التي جَاءَ بِهَا المَلَكُ إلى جَدِّنَا المُصطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وهوَ يَقُولُ لَهُ: هذهِ امرَأَتُكَ.

روى الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، جَاءَنِي بِكِ الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ ـ الشُّقَقُ الْبِيضُ مِن الْحَرِير ـ فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، فَأَكْشِفُ عَنْ وَجْهِكِ، فَإِذَا أَنْتِ هِيَ، فَأَقُولُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ يُمْضِهِ».

لَو سَأَلنَا آلَ البَيتِ: لماذا سَمَّيتُم بَعْضَ بَنَاتِكُم بِاسْمِ عَائِشَةَ؟

لَقَالُوا: لأنَّهَا زَوجَةُ الحَبِيبِ جَدِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، في الدُّنيَا والآخِرَةِ.

روى الترمذي عَن ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها، أَنَّ جِبْرِيلَ جَاءَ بِصُورَتِهَا فِي خِرْقَةِ حَرِيرٍ خَضْرَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ زَوْجَتُكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

هَل عَرَفنَا لِمَاذا آلُ البَيتِ يُسَمُّونَ بَعضَ بَنَاتِهِم بِاسْمِ عَائِشَةَ؟ لأنَّهَا زَوجَةُ جَدِّهِم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّنيَا ةالآخِرَةِ.

ثانياً: «فَأَحِبِّي هذهِ»:

أيُّها الإخوة الكرام: لَو سَأَلنَا آلَ البَيتِ: لماذا سَمَّيتُم بَعْضَ بَنَاتِكُم بِاسْمِ عَائِشَةَ؟

لَقَالُوا: لأنَّ جَدَّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أُمَّنَا السَّيِّدَةَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها بِحُبِّهَا.

روى الإمام مسلم عن عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ مَعِي فِي مِرْطِي ـ هوَ الْمِلْحَفَةُ وَالْإِزَار ـ فَأَذِنَ لَهَا.

فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِي إِلَيْكَ يَسْأَلْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ، وَأَنَا سَاكِتَةٌ.

قَالَتْ: فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيْ بُنَيَّةُ، أَلَسْتِ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ؟».

فَقَالَتْ: بَلَى.

قَالَ: «فَأَحِبِّي هَذِهِ».

قَالَتْ: فَقَامَتْ فَاطِمَةُ حِينَ سَمِعَتْ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَرَجَعَتْ إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْهُنَّ بِالَّذِي قَالَتْ، وَبِالَّذِي قَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَقُلْنَ لَهَا: مَا نُرَاكِ أَغْنَيْتِ عَنَّا مِنْ شَيْءٍ، فَارْجِعِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقُولِي لَهُ: إِنَّ أَزْوَاجَكَ يَنْشُدْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ.

فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: واللهِ لَا أُكَلِّمُهُ فِيهَا أَبَداً.

هَل عَرَفنَا لماذا آلُ البَيتِ يُسَمُّونَ بَعْضَ بَنَاتِهِم بِاسْمِ عَائِشَةَ؟ لأنَّهَا حَبِيبَةٌ إلى جَدِّهِم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وإلى أُمِّهِمُ السَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها.

ثالثاً: المُبَرَّأَةُ من فَوقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ:

أيُّها الإخوة الكرام: لَو سَأَلنَا آلَ البَيتِ: لماذا سَمَّيتُم بَعْضَ بَنَاتِكُم بِاسْمِ عَائِشَةَ؟

لَقَالُوا: لأنَّهَا الطَّاهِرَةُ المُطَهَّرَةُ، لأنَّهَا الصِّدِّيقَةُ بِنتُ الصِّدِّيقِ، لأنَّهَا حَبِيبَةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لأنَّ اللهَ تعالى بَرَّأَهَا من فَوقِ سَبعِ سَمَاوَاتٍ، وفَضَحَ أَمْرَ مُبْغِضِهَا على رُؤُوسِ الأَشهَادِ، وإلى يَومِ القِيَامَةِ، لأنَّ اللهَ تعالى قَالَ فِيهَا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ واللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.

وقَالُوا: كَيفَ لا نُسَمِّي بَعْضَ بَنَاتِنَا بِاسْمِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ، واللهُ تعالى دَافَعَ عَنهَا في كِتَابِهِ العَظِيمِ، وتَوَعَّدَ مُبْغِضَهَا بالعَذَابِ الأَلِيمِ، واللهُ تعالى لا يُدَافِعُ إلا عَمَّن أَحَبَّ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾؟

هَل عَرَفنَا لِمَاذا آلُ البَيتِ يُسَمُّونَ بَعضَ بَنَاتِهِم بِاسْمِ عَائِشَةَ؟ لأنَّ اللهَ تَعَالى بَرَّأَهَا مِن فَوقِ سَبعِ سَمَاوَاتٍ مِن حَادِثَةِ الإِفكِ.

رابعاً: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟

لَو سَأَلنَا آلَ البَيتِ: لماذا سَمَّيتُم بَعْضَ بَنَاتِكُم بِاسْمِ عَائِشَةَ؟

لَقَالُوا: لأنَّهَا أَحَبُّ النَّاسِ إلى جَدِّنَا وحَبِيبِنَا سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السُّلَاسِلِ.

قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟

قَالَ: «عَائِشَةُ».

قُلْتُ: مِن الرِّجَالِ؟

قَالَ: «أَبُوهَا».

قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟

قَالَ: «عُمَرُ».

فَعَدَّ رِجَالاً، فَسَكَتُّ مَخَافَةَ أَنْ يَجْعَلَنِي فِي آخِرِهِمْ.

هَل عَرَفنَا لِمَاذا آلُ البَيتِ يُسَمُّونَ بَعضَ بَنَاتِهِم بِاسْمِ عَائِشَةَ؟ لأنَّهَا أَحَبُّ النَّاسِ إلى جَدِّهِم المُصطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

خامساً: «أَينَ أَنَا غَدَاً؟»:

أيُّها الإخوة الكرام: لَو سَأَلنَا آلَ البَيتِ: لماذا سَمَّيتُم بَعْضَ بَنَاتِكُم بِاسْمِ عَائِشَةَ؟

لَقَالُوا: لأنَّ جَدَّنَا وحَبِيبَنَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حِينَ قُبِضَ، قُبِضَ وهوَ بَينَ سَحْرِ ونَحْرِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها.

روى الإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْأَلُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ يَقُولُ: «أَيْنَ أَنَا غَداً؟ أَيْنَ أَنَا غَداً؟» يُرِيدُ يَوْمَ عَائِشَةَ، فَأَذِنَ لَهُ أَزْوَاجُهُ يَكُونُ حَيْثُ شَاءَ، فَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ حَتَّى مَاتَ عِنْدَهَا.

قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَاتَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي كَانَ يَدُورُ عَلَيَّ فِيهِ فِي بَيْتِي، فَقَبَضَهُ اللهُ وَإِنَّ رَأْسَهُ لَبَيْنَ نَحْرِي وَسَحْرِي، وَخَالَطَ رِيقُهُ رِيقِي.

وروى الشيخان عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها قَالَتْ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَيَتَفَقَّدُ يَقُولُ: «أَيْنَ أَنَا الْيَوْمَ؟ أَيْنَ أَنَا غَداً؟». اسْتِبْطَاءً لِيَوْمِ عَائِشَةَ.

قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي قَبَضَهُ اللهُ بَيْنَ سَحْرِي ـ رِئَتِي ـ وَنَحْرِي. أي: عِندَ صَدْرهَا.

هَل عَرَفنَا لِمَاذا آلُ البَيتِ يُسَمُّونَ بَعضَ بَنَاتِهِم بِاسْمِ عَائِشَةَ؟ لأنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كانَ حَرِيصَاً على أن تَكُونَ نِهَايَةُ حَيَاتِهِ فِي حُجرَةِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا.

سادساً: جِبرِيلُ سَلَّمَ عَلَيهَا:

أيُّها الإخوة الكرام: لَو سَأَلنَا آلَ البَيتِ: لماذا سَمَّيتُم بَعْضَ بَنَاتِكُم بِاسْمِ عَائِشَةَ؟

لَقَالُوا: لأنَّ أَمِينَ وَحْيِ السَّمَاءِ أَرسَلَ إِلَيهَا السَّلامَ عن طَرِيقِ جَدِّنَا وحَبِيبِنَا سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

روى الإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: «يَا عَائِشَةُ، هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلَامَ».

فَقَالَتْ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، تَرَى مَا لَا أَرَى ـ تُرِيدُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ.

 وفي رواية للشيخين عن عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَائِشُ، هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلَامَ».

قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ.

قَالَتْ: وَهُوَ يَرَى مَا لَا أَرَى.

هَل عَرَفنَا لِمَاذا آلُ البَيتِ يُسَمُّونَ بَعضَ بَنَاتِهِم بِاسْمِ عَائِشَةَ؟ لأنَّ سَيِّدَنَا جِبرِيلَ عَليهِ السَّلامُ أَرسَلَ إليهَا السَّلَامَ.

سابعاً: غَزَارَةُ عِلْمِهَا:

أيُّها الإخوة الكرام: لَو سَأَلنَا آلَ البَيتِ: لماذا سَمَّيتُم بَعْضَ بَنَاتِكُم بِاسْمِ عَائِشَةَ؟

لَقَالُوا: لأنَّهَا الفَقِيهَةُ العَالِمَةُ، لأنَّهَا المَرجِعُ في الحَدِيثِ والسُّنَّةِ، والفَقِيهَةُ الأُولَى في الإِسلامِ.

يَقُولُ سَيِّدُنَا أَبُو مُوسَى الأَشعَرِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: مَا أَشْكَلَ عَلَيْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ قَطُّ فَسَأَلْنَا عَائِشَةَ إِلَّا وَجَدْنَا عِنْدَهَا مِنْهُ عِلْماً. رواه الترمذي.

ويَقُولُ التَّابِعِيُّ الفَقِيهُ، والإمَامُ والقُدْوَةُ مَسْرُوقُ بنُ الأَجدَعِ الهَمَذَانِيُّ: لَقَدْ رَأَيْتُ مَشْيَخَةَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَهَا عَنِ الْفَرَائِضِ. رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ.

وكَانَ إذا حَدَّثَ عَنهَا قَالَ: حَدَّثَتْنِي الصِّدِّيقَةُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ، حَبِيبَةُ حَبِيبِ اللهِ، الْمُبَرَّأَةُ. رواه الإمام أحمد.

هَل عَرَفنَا لِمَاذا آلُ البَيتِ يُسَمُّونَ بَعضَ بَنَاتِهِم بِاسْمِ عَائِشَةَ؟ لأنَّهَا صَاحِبَةُ العِلمِ الغَزِيرِ فِي دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

ثامناً: أُمُّ المُؤمِنِينَ:

أيُّها الإخوة الكرام: لَو سَأَلنَا آلَ البَيتِ: لماذا سَمَّيتُم بَعْضَ بَنَاتِكُم بِاسْمِ عَائِشَةَ؟

لَقَالُوا لَنَا: لأنَّهَا أُمُّنَا وأُمُّ المُؤمِنِينَ، قَالَ تَعالى: ﴿وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾. ولا خَيرَ فِمَن لا يُحِبُّ أُمَّهُ أُمَّ المُؤمِنِينَ.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: يَجِبُ عَلَينَا أن نَقرَأَ سِيرَةَ آلِ البَيتِ الكِرَامِ، حَتَّى نَتَعَلَّمَ مِنهُم كَيفَ يَكُونُ الوُدُّ والوَفَاءُ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وكَيفَ يَكُونُ الوُدُّ والوَفَاءُ لأَصحَابِهِ الكِرَامِ، لأنَّ أَبَرَّ البِرِّ بالوَالِدَينِ صِلَةُ الوَلَدِ وُدَّ أَبِيهِ، ولأنَّ أَبَرَّ البِرِّ بالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الأَدَبَ مَعَ أَصحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي نَتَعَلَّمُهُ من آلِ بَيتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

اللَّهُمَّ أَكرِمنَا بذلكَ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

 

الخميس: 24/ربيع الأول /1435هـ، الموافق: 15/كانون الثاني / 2015م