399ـ خطبة الجمعة: نتائج العقوق

 

 399ـ خطبة الجمعة: نتائج العقوق

 مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيَا عِبَادَ اللهِ، إنَّ مِمَّا لا شَكَّ فِيهِ بأنَّ الوَالِدَينِ يَندَفِعَانِ نَحْوَ الأَبنَاءِ بالفِطرَةِ التي فَطَرَهُمُ اللهُ تعالى عَلَيهَا، لذلكَ تَرَاهُم يُضَحُّونَ بِكُلِّ شَيءٍ حتَّى بِذَوَاتِهِم، فَيَمتَصُّهُمُ الأَبنَاءُ كَمَا تَمتَصُّ النَّبتَةُ الخَضرَاءُ كُلَّ غِذَاءٍ في الحَبَّةِ فإذا هيَ فُتَاتٌ، وكَمَا يَمتَصُّ الفَرخُ كُلَّ غِذَاءٍ في البَيضَةِ حتَّى تُصبِحَ قِشرَةً، والأَبَوَانِ سَعِيدَانِ عِندَمَا وَصَلَا إلى سِنِّ الشَّيخُوخَةِ الفَانِيَةِ.

ولكنْ كَثِيرٌ من الأَبنَاءِ من نَسِيَ الإحسَانَ والحَنَانَ، وانجَرَفَ في تَيَّارِ الجُحُودِ والعُقُوقِ والعِصيَانِ، وأسَاءَ إلى الوَالِدَينِ بلا أَدنَى شَفَقَةٍ أو رَحمَةٍ أو إحسَانٍ، ويَبلُغُ الجُحُودُ والعُقُوقُ مُنتَهَاهُ حِينَمَا يَضرِبُ الوَلَدُ أَبَوَيهِ، بَعدَ أن قَالَ لَهُمَا الكَلِمَةَ التي حَذَّرَ اللهُ مِنهَا: ﴿فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ، لقد حَذَّرَنَا اللهُ من كَلِمَةِ أُفٍّ أن نَقُولَهَا لآبَائِنَا وأُمَّهَاتِنَا، وأَمَرَنَا بالذُّلِّ بَينَ أَيدِيَهُم، ثمَّ أَمَرَنَا بالدُّعَاءِ لَهُمَا، فَأَينَ نَحنُ من هذا؟

نَتَائِجُ العُقُوقِ:

يَا عِبَادَ اللهِ، اِعلَمُوا بأَنَّ نَتَائِجَ العُقُوقِ وَخِيمَةٌ في الدُّنيَا والآخِرَةِ، ومن هذهِ النَّتَائِجِ  الوَخِيمَةِ.

أولاً: العَاقُّ أَتَى بِكَبِيرَةٍ من الكَبَائِرِ:

يَا عِبَادَ اللهِ، العَاقُّ أَتَى بِأَكبَرِ الكَبَائِرِ بَعدَ الشِّركِ باللهِ تعالى، روى الإمام البخاري عن أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ َسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ ـ ثَلَاثاً ـ».

قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ.

قَالَ: «الْإِشْرَاكُ باللهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ـ وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئاً، فَقَالَ: ـ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ».

قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ.

وروى الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عنهُما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مِن الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ».

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَهَلْ يَشْتِمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟

قَالَ: «نَعَمْ، يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ». فلا تَكُنْ عَاقَّاً، ولا تَكُنْ سَبَبَاً لِشَتْمِ وَالِدَيكَ.

ثانياً: العَاقُّ مَحرُومٌ من دُخُولِ الجَنَّةِ:

يَا عِبَادَ اللهِ، العَاقُّ مَحرُومٌ من دُخُولِ الجَنَّةِ، ومَطرُودٌ من رَحمَةِ اللهِ تعالى التي وَسِعَت كُلَّ شَيءٍ، روى الإمام أحمد عن عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْعَاقُّ وَالِدَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ الْمُتَشَبِّهَةُ بِالرِّجَالِ، وَالدَّيُّوثُ، وَثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْعَاقُّ وَالِدَيْهِ، وَالْمُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى».

وروى الحاكم في تاريخه عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ عَلِمَ اللهُ شَيْئاً أَدْنَى مِنْ أُفٍّ لَنَهَى عَنْهُ، فَلْيَعْمَل الْعَاقُّ مَا شَاءَ أَنْ يَعْمَلَ فَلَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ، وَلْيَعْمَل الْبَارُّ مَا شَاءَ أَنْ يَعْمَلَ فَلَنْ يَدْخُلَ النَّارَ».

ثالثاً: العَاقُّ لِوَالِدَيهِ لن يَنفَعَهُ عَمَلٌ:

يَا عِبَادَ اللهِ، العَاقُّ لِوَالِدَيهِ لن يَنفَعَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ، ولن يَقبَلُ اللهُ تعالى مِنهُ فَرضَاً ولا نَفلاً، روى ابنُ أَبِي عَاصِمٍ في كِتَابِ السُّنَّةِ بِإِسنَادٍ حَسَنٍ عن أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ثَلاثَةٌ لا يَقبَلُ اللهُ عزَّ وجلَّ مِنهُم صَرْفَاً ولا عَدْلَاً، عَاقٌّ، ولا مَنَّانٌ، ومُكَذِّبٌ بِقَدَرٍ».

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ، العُقُوقُ دَينٌ لا بُدَّ من قَضَائِهِ في الدُّنيَا قَبلَ الآخِرَةِ، فَكَمَا يَدِينُ الإنسَانُ يُدَانُ، فمن بَذَلَ البِرَّ لِوَالِدَيهِ سَخَّرَ اللهُ تعالى لَهُ أَبنَاءَ بَرَرَةً، ومن عَقَّ وَالِدَيهِ سَلَّطَ اللهُ تعالى عَلَيهِ أَبنَاءَ عَاقِّينَ.

العَاقُّ سَوفَ يَجنِي ثَمَرَةَ عُقُوقِهِ في الدُّنيَا قَبلَ الآخِرَةِ، روى الحاكم عن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَبَابَانِ مُعَجَّلانِ عُقُوبَتَهُمَا في الدُّنيَا، البَغيُ والعُقُوقُ».

يَا عِبَادَ اللهِ، هل نُسرِعُ جَمِيعَاً بَعدَ الانتِهَاءِ من صَلاةِ الجُمُعَةِ إلى آبَائِنَا وأُمَّهَاتِنَا لِنُقَبِّلَ أَرجُلَهُمَا بَعدَ أَيدِيهِمَا، ونَطلُبَ مِنهُمَا الدُّعَاءَ، ونَطلُبَ مِنهُمَا الاستِغفَارَ لَنَا على عُقُوقِنَا، ونَقُولَ لَهُمَا كَمَا قَالَ إخوَةُ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيهِ السَّلامُ لأَبِيهِم: ﴿يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ، أَرجُو اللهَ تعالى أن لا نُبعَدَ عن رَحمَةِ اللهِ تعالى بِسَبَبِ عُقُوقِنَا لآبَائِنَا وأُمَّهَاتِنَا، روى البيهقي عن كَعبِ بنِ عُجرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إنَّ جِبرِيلَ عَلَيهِ السَّلامُ عَرَضَ لِي فَقَالَ: بَعُدَ من أَدرَكَ وَالِدَيهِ الكِبَرُ عِندَهُ أو أَحَدَهُمَا، فَلَم يُدخِلَاهُ الجَنَّةَ، فَقُلتُ: آمينَ».

ومن كَانَ أَبَوَاهُ مَيْتَينِ فَليُكثِرْ من الدُّعَاءِ لَهُمَا، والاستِغفَارِ والصَّدَقَةِ، وأن يَصِلَ رَحِمَهُ.

اللَّهُمَّ وَفِّقنَا لذلكَ يا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.

أقُولُ هَذا القَولَ، وأستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم، فَاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 10/ذو القعدة/1435هـ، الموافق: 5/أيلول / 2014م