156ـ مع الحبيب المصطفى: «أيها الآباء, سلوا أنفسكم هذه الأسئلة»

 

 مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

156ـ «أيها الآباء، سلوا أنفسكم هذه الأسئلة»

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. فما من أَحَدٍ إلا وهوَ مَسؤولٌ يَومَ القِيَامَةِ، وما من أَحَدٍ إلا وسَيُكَلِّمُهُ اللهُ تعالى يَومَ القِيَامَةِ، روى الشيخان عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ اللهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ».

أيُّها الإخوة الكرام: لِنَعلَمْ جَمِيعَاً بأنَّ الوَالِدَ مَسؤولٌ يَومَ القِيَامَةِ قَبلَ أن يُسأَلَ الوَلَدُ، فإن كَانَ للأَبَوَينِ حَقٌّ على الأَبنَاءِ، فإنَّ للأَبنَاءِ حَقَّاً على الآبَاءِ، وإن كَانَ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ قَالَ: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً﴾. فَلَقَد قَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام:وَصِيَّةُ اللهِ تعالى للآبَاءِ بأَولادِهِم سَابِقَةٌ على وَصِيَّةِ اللهِ تعالى للأَبنَاءِ بِآبَائِهِم، قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً﴾. فمن قَصَّرَ في وَاجبَاتِهِ نَحْوَ أَبنَائِهِ وتَرَكَهُم سُدَىً فقد أَسَاءَ غَايَةَ الإسَاءَةِ، وما فَسَدَ أَكثَرُ الأَبنَاءِ إلا بِسَبَبِ إهمَالِ الآبَاءِ لَهُم، فَأَضَاعُوهُم صِغَارَاً، فَلَم يَنتَفِعُوا بِأَنفُسِهِم، ولم يَنفَعُوا آبَاءَهُم كِبَارَاً، ولذلكَ قَالَ بَعضُ الأَبنَاءِ لأَبِيهِ: يَا أَبَتِ، إنَّكَ عَقَقتَنِي صَغِيرَاً، فَعَقَقتُكَ كَبِيرَاً، وأَضَعتَنِي وَلِيدَاً، فَأَضَعتُكَ شَيخَاً.

الوَلَدُ أَمَانَةٌ عِندَ وَالِدَيهِ:

أيُّها الإخوة الكرام: يَقُولُ الإمامُ الغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: الصَّبِيُّ أَمَانَةٌ عِندَ وَالِدَيهِ، وقَلبُهُ الطَّاهِرُ جَوهَرَةٌ سَاذَجَةٌ خَالِيَةٌ من كُلِّ نَقْشٍ وصُورَةٍ، وهوَ قَابِلٌ لِكُلِّ ما نُقِشَ، ومَائِلٌ إلى كُلِّ ما يُمَالُ بِهِ إِلَيهِ، فإن عُوِّدَ الخَيرَ وعُلِّمَهُ نَشَأَ عَلَيهِ، وسَعِدَ في الدُّنيَا والآخِرَةِ أَبَوَاهُ، وكُلُّ مُعَلٍّمٍ لَهُ ومُؤَدِّبٍ، وإن عُوِّدَ الشَّرَّ وأُهمِلَ إهمَالَ البَهَائِمِ، شَقِيَ وهَلَكَ، وكَانَ الوِزرُ في رَقَبَةِ القَيِّمِ عَلَيهِ والوَالِي لَهُ.

روى الإمام مسلم عن مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ».

أيُّها الإخوة الكرام: تَضيِيعُ الأَمَانَاتِ خَسَارَةٌ وحَسْرَةٌ ونَدَامَةٌ يَومَ القِيَامَةِ، وأَعظَمُ مَا تَكُونُ الخِيَانَةُ إذا كَانَ فِيهَا ظُلمٌ للأَبنَاءِ والبَنَاتِ بِتَضيِيعِ حُقُوقِهِم، والاستِهتَارِ في وَاجِبَاتِهِم، وتَرْكِ تَربِيَتِهِم وتَوجِيهِهِم وتَعلِيمِهِم وإرشَادِهِم.

أَغلَى ما نَملِكُ بَعدَ دِينِنَا:

أيُّها الإخوة الكرام: لو تَسَاءَلنَا مَعَ بَعضِنَا البَعضِ: ما أَغلَى ما نَملِكُهُ بَعدَ دِينِنَا؟ وما هوَ أَحَبُّ شَيءٍ إِلَينَا في دُنيَانَا؟ وما هوَ عَصَبُ حَيَاتِنَا وعُنوَانُ سَعَادَتِنَا وسُرُورِنَا؟ لأَتَى الجَوَابُ: إنَّهُم أَبنَاؤُنَا وبَنَاتُنَا.

أيُّها الإخوة الكرام: إذا كَانَ أَبنَاؤُنَا وبَنَاتُنَا بهذهِ المَنزِلَةِ في قُلُوبِنَا، فهل نُرِيدُ أن يَكُونُوا من الخَاسِرِينَ يَومَ القِيَامَةِ؟ قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾.

وهل يُرِيدُ الوَاحِدُ مِنَّا أن يَفِرَّ يَومَ القِيَامَةِ من أَبنَائِهِ وبَنَاتِهِ؟ قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾. ولولا الظُّلمُ من الآبَاءِ والأُمَّهَاتِ للأَبنَاءِ والبَنَاتِ ما فَرُّوا مِنهُم.

أيُّها الإخوة الكرام: في يَومِ القِيَامَةِ يَفِرُّ الآبَاءُ والأُمَّهَاتُ من الأَبنَاءِ لأَنَّهُم ظَلَمُوهُم، ويَخَافُونَ أن يُؤخَذَ شَيءٌ من حَسَنَاتِهِم، وهُم أَحوَجُ ما يَكُونُونَ إلى حَسَنَةٍ من الحَسَنَاتِ، لأنَّ اللهَ تعالى يَقُولُ: ﴿فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ﴾.

هل تَعَهَّدْنَا أَبنَاءَنَا مُنذُ نُعُومَةِ أَظفَارِهِم؟

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ تَمَرُّدَ الأَبنَاءِ والبَنَاتِ وانحِرَافَهُم وفَسَادَ أَخلاقِهِم يَرجِعُ في الوَاقِعِ إلى الآبَاءِ والأُمَّهَاتِ أولاً ـ إلا من رَحِمَ اللهُ تعالى ـ لأنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ».

لهذا جَعَلَ الإسلامُ من أَعظَمِ الوَاجِبَاتِ على الآبَاءِ والأُمَّهَاتِ تُجَاهَ أَولادِهِم حُسْنَ تَعَهُّدِهِم ورِعَايَتِهِم واعتَبَرَ كُلَّ مُفَرِّطٍ في أَدَاءِ هذا الوَاجِبِ ظَالِمَاً لِنَفسِهِ وَلِوَلَدِهِ ومُجتَمَعِهِ وأُمَّتِهِ، فهل قُمنَا بالوَاجِبِ الذي عَلَينَا مُنذُ نُعُومَةِ أَظفَارِهِم؟

سَلْ نَفسَكَ يا أَيُّهَا الأَبُ، ويا أَيَّتُهَا الأُمُّ  هذهِ الأَسئِلَةَ:

أولاً: هل غَرَستُ ورَسَّختُ الإيمَانَ في نُفُوسِ أَولادِي؟

ثانياً: هل دَعَوتُهُم إلى الصَّلاةِ، وعَلَّمتُهُم أَحكَامَهَا، وأَحكَامَ الطَّهَارَةِ؟

ثالثاً: هل رَبَّيتُهُم على مَحَبَّةِ اللهِ تعالى، ومَحَبَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

رابعاً: هل حَفَّظتُهُم كِتَابَ اللهِ تعالى؟

خامساً: هل عَرَّفتُهُم على سِيرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

سادساً: هل غَرَستُ فِيهِمُ القِيَمَ والأَخلاقَ الكَرِيمَةَ؟

سابعاً: هل خَصَّصتُ جُزءَاً من وَقتِي لِمُرَاقَبَةِ تَصَرُّفَاتِهِم في البَيتِ، وفي الشَّارِعِ، وفي المَدرَسَةِ؟

ثامناً: هل فَتَحتُ قَلبِي لِسَمَاعِ مَشَاكِلِ أَولادِي، وكَانَ صَدْرِي وَاسِعَاً لَهُم؟

تاسعاً: هل كُنتُ حَكِيمَا في مُعَالَجَةِ أَخطَائِهِم؟

عاشراً: هل كُنتُ قُدوَةً صَالِحَةً لَهُم؟

وأَخِيرَاً: هل التَزَمتُ وَصَايَا لُقمَانَ لِوَلَدِهِ التي ذَكَرَهَا اللهُ تعالى في القُرآنِ العَظِيمِ، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ باللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ * وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ  وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾؟

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: كَلِمَةُ الحَقِّ يَجِبُ أن تُقَالَ: نَحنُ ما أَهمَلنَا أَبنَاءَنَا وبَنَاتِنَا من حَيثُ الطَّعَامُ والشَّرَابُ والكُسْوَةُ والمَسْكَنُ، ولا في مُتَطَلَّبَاتِهِمُ التَّكمِيلِيَّةِ، وَوَسَائِلِ التَّرفِيهِ، ولكِنَّنَا أهمَلنَاهُم من حَيثُ تَقوِيمُ نُفُوسِهِم وتَطهِيرُ أَروَاحِهِم، وتَنشِئَتُهُم على الدِّينِ والعِبَادَةِ، وضَرْبُ القُدوَةِ الصَّالِحَةِ لَهُم.

لقد رَبَّينَاهُم تَربِيَةً بَعِيدَةً كُلَّ البُعدِ عن دِينِ اللهِ تعالى سُلُوكَاً وعَمَلاً، فَهُم لا يَعرِفُونَ من الإسلامِ إلا اسمَهُ، ولا من القُرآنِ إلا حُرُوفَهُ، وإذا كُنتُم في شَكٍّ مِمَّا أَقُولُ، فاسأَلُوا أَبنَاءَكُم عن دِينِهِم وعن عِبَادَاتِهِم ماذا يَعرِفُونَ عَنهَا؟

سَلُوهُم عن القرآنِ العَظِيمِ، وعن الأَحَادِيثِ الشَّرِيفَةِ ماذا يَعرِفُونَ عَنهَا؟

سَلُوهُم عن المُعَامَلاتِ المَادِّيَّةِ من بَيعٍ وشِرَاءٍ وما شَاكَلَ ذلكَ ماذا يَعرِفُونَ عَنهَا؟

سَلُوهُم عن وَاجِبَاتِهِم نَحْوَ آبَائِهِم وأُمَّهَاتِهِم وزَوجاَتِهِم وأَبنَائِهِم ماذا يَعرِفُونَ عَنهَا؟

أيُّها الإخوة الكرام: لقد سَكَتنَا عن أَخطَائِهِم، وإذا أَخبَرَنَا أَحَدٌ عن أَخطَائِهِم بَرَّرنَاهَا لَهُم، ودَافَعنَا عَنهُم، لقد سَكَتنَا عن أَخطَائِهِمُ الصَّغِيرَةِ حتَّى وَقَعُوا في الكَبِيرَةِ.

رُوِيَ أنَّ قَاضِيَاً حَكَمَ على سَارِقٍ بِقَطْعِ يَدِهِ، فما أن نَطَقَ القَاضِي بالحُكمِ، ارتَفَعَ صَوتٌ يُجَلجِلُ يَقُولُ: اِقطَعُوا لِسَانَ أُمِّي قَبلَ أن تَقطَعُوا يَدِي، فَلَقَد سَرَقتُ في طُفُولَتِي بَيضَةً من جِيرَانِنَا، فَلَم تُؤَنِّبْنِي، وإِنَّما هَشَّتْ لِي وبَشَّتْ، مُستَحسِنَةً لما فَعَلتُ، إِنَّنِي لولا لِسَانُ أُمِّي الذي هَلَّلَ للجَرِيمَةِ في صِغَرِي، لَمَا كُنتُ اليَومَ سَارِقَاً تُقطَعُ يَدُهُ.

أيُّها الإخوة الكرام: نَحنُ نَخَافُ على أَبنَائِنَا من شَوكَةٍ يَتَأَذَّونَ مِنهَا، ولا نَخَافُ عَلَيهِم من نَارٍ تَلَظَّى، هل نَسِينَا قَولَ اللهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾؟

لقد نَسِينَا أَنَّا سَنُحَاسَبُ عَلَيهِم يَومَ القِيَامَةِ، وأنَّ الوَاحِدَ مِنهُم سَوفَ يَتَعَلَّقُ بِنَا ويَقُولُ: يا رَبِّ خُذْ حَقِّي من أَبِي وأُمِّي، لم يُعَلِّمَانِي أَمرَ دِينِي؟

أيُّها الإخوة الكرام: سَوفَ يَسأَلُ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ الوَالَدَ عن وَلَدِهِ قَبلَ أن يَسأَلَ الوَلَدَ عن وَالِدِهِ، فَكَمَا للأَبِ حَقٌّ على وَلَدِهِ، فَلِلوَلَدِ حَقٌّ على أَبِيهِ وأُمِّهِ.

أَسأَلُ اللهَ تعالى أن يَرُدَّنَا إِلَيهِ رَدَّاً جَمِيلاً. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 16/ذو القعدة/1435هـ، الموافق: 11/أيلول/ 2014م