401ـ خطبة الجمعة: يا صاحب الهم

 

 401ـ خطبة الجمعة: يا صاحب الهم

 مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيَا عِبَادَ اللهِ، إِيَّايَ وإِيَّاكُم وسُوءَ الظَّنِّ باللهِ تعالى، إنْ طَالَ أَمَدُ هذهِ الأَزمَةِ، وأُحكِمَت حَلَقَاتُهَا، إِيَّايَ وإِيَّاكُم أن نَعتَقِدَ أنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى أَرَادَ بِنَا سُوءَاً، أو أنَّهُ لا يُرِيدُ كَشْفَ هذهِ الغُمَّةِ، أو أَنَّهُ ظَالِمٌ لَنَا، إِيَّايَ وإِيَّاكُم وسُوءَ الظَّنِّ باللهِ تعالى بأنَّ اللهَ تعالى لم يُرِدْ بِنَا خَيرَاً، أو أنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى سَيَدَعُ الظَّالِمَ بِدُونِ انتِقَامٍ مِنهُ عَاجِلاً أم آجِلاً، أو أنَّ دُعَاءَ الأُمَّةِ غَيرُ مُستَجَابٍ، أو بأنَّ اللهَ تعالى لن يَنتَصِرَ للمَظلُومِ، الذي سُفِكَت لَهُ دِمَاءٌ بَرِيئَةٌ، أو سُلِبَت لَهُ الأموَالُ بِغَيرِ حَقٍّ، أو هُدِّمَت لَهُ البُيُوتُ بِغَيرِ حَقٍّ، أو سُلِبَت أَملاكُهُ بِغَيرِ حَقٍّ، فمن ظَنَّ هذا الظَّنَّ فهوَ على خَطَرٍ عَظِيمٍ، روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، إِنْ ظَنَّ بِي خَيْراً فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ شَرَّاً فَلَهُ».

﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً﴾:

يَا عِبَادَ اللهِ، يَقُولُ مَولانَا عزَّ وجلَّ في وَصْفِ الإنسَانِ: ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً﴾. فهوَ ضَعِيفُ البُنيَةِ، ضَعِيفُ القُوَّةِ، ضَعِيفُ الإرَادَةِ، ضَعِيفُ الصَّبْرِ، ومَعَ ذلكَ فالمَصَائِبُ والشَّدَائِدُ سَرِيعَةٌ إِلَيهِ، فلا بُدَّ لَهُ من مُعِينٍ يُقَوِّيهِ ويُعِينُهُ ويُسَاعِدُهُ ويَنصُرُهُ، وإلا فالهَلاكُ أَقرَبُ إِلَيهِ من نَفسِهِ التي بَينَ جَنبَيهِ.

يَا عِبَادَ اللهِ، كُلُّ ضَعِيفٍ يَحتَاجُ إلى قَوِيٍّ أن يَكُونَ بِجَانِبِهِ، وكُلُّ فَقِيرٍ يَحتَاجُ إلى غَنِيٍّ أن يَكُونَ بِجَانِبِهِ، وكُلُّ ذَلِيلٍ يَحتَاجُ إلى عَزِيزٍ أن يَكُونَ بِجَانِبِهِ، وهل هُنَاكَ قَوِيٌّ وغَنِيٌّ وعَزِيزٌ على الإطلاقِ غَيرُ اللهِ تعالى؟ وهل هُنَاكَ مُعِينٌ على الحَقِيقَةِ غَيرُ اللهِ تعالى؟

فَيَا صَاحِبَ الهَمِّ:

فَيَا صَاحِبَ الهَمِّ، يَا أَيُّهَا العَبدُ الضَّعِيفُ، يَا أَيُّهَا المَكلُومُ، يَا أَيُّهَا المَحزُونُ، يَا أَيُّهَا المُتَأَلِّمُ، يَا أَيُّهَا المَظلُومُ بِأَيِّ نَوعٍ من أَنوَاعِ الظُّلمِ، خُذْ عِلاجَاً لِهَمِّكَ، وضَعْفِكَ، وجُرْحِكَ، وحُزْنِكَ، وأَلَمِكَ من الصَّادِقِ المَصدُوقِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛

أولاً: أَكثِرْ من قَولِ: حَسبُنَا اللهُ ونِعمَ الوَكِيلُ:

يَا صَاحِبَ الهَمِّ والخَوفِ والقَلَقِ، أَكثِرْ من قَولِ: حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، روى الإمام البخاري عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: ﴿حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾. قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالُوا: ﴿ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾.

تَدَبَّرْ يَا صَاحِبَ الهَمِّ قَولَهُ تعالى: ﴿قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ، إن قَالَ الشَّرقُ وقَالَ الغَربُ في خَفَاءٍ، وهُم يُخَطِّطُونَ ويُدَبِّرُونَ لهذا البَلَدِ لِزِيَادَةِ الدَّمَارِ، ولِزِيَادَةِ سَفْكِ الدِّمَاءِ، ولإذلالِ هذا البَلَدِ، فَقُولُوا: حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.

وإِنِّي أَسأَلُ اللهَ تعالى أن يَجعَلَ كَيدَ من كَادَنَا، وكَادَ لهذا البَلَدِ، أن يَجعَلَ كَيدَهُ في نَحْرِهِ، وأن يُمَزِّقَهُ شَرَّ مُمَزَّقٍ مَزَّقَهُ لأعدَائِهِ، انتِصَارَاً لأنبِيَائِهِ وأولِيَائِهِ وأَحبَابِهِ.

يَا أَهلَ هذا البَلَدِ الحَبِيبِ، تَدَبَّرُوا قَولَ اللهِ تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ﴾. إنْ تَدَبَّرْتُم ذلكَ اطمَأَنَّت قُلُوبُكُم بأَنَّ العَاقِبَةَ لَكُم إن شَاءَ اللهُ تعالى.

ثانياً: أَكثِرْ من قَولِ: يَا مَالِكَ يَومِ الدِّينِ، إِيَّاكَ أَعبُدُ، وإِيَّاكَ أَستَعِينُ:

يَا صَاحِبَ الهَمِّ والخَوفِ والقَلَقِ، يَا أَيُّهَا العَبدُ الضَّعِيفُ، أَكثِرْ من قَولِ: يَا مَالِكَ يَومِ الدِينِ، إِيَّاكَ أَعبُدُ، وإِيَّاكَ أَستَعِينُ، روى الطَّبَرَانِيُّ في الأَوسَطِ عن أَبِي طَلحَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في غَزَاةٍ، فَلَقِيَ العَدُوَّ، فَسَمِعتُهُ يَقُولُ: «يَا مَالِكَ يَومِ الدِّينِ، إِيَّاكَ أَعبُدُ، وإِيَّاكَ أَستَعِينُ».

قَالَ أَبُو طَلحَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ: فَلَقَد رَأَيتُ الرِّجَالَ تُصرَعُ، تَضرِبُهَا المَلائِكَةُ من بَينِ يَدَيهَا، ومن خَلفِهَا.

ثالثاً: أَكثِرْ من قَولِ: «اللَّهُمَّ إِنَّا نَجعَلُكَ في نُحُورِهِم»:

يَا صَاحِبَ الهَمِّ والخَوفِ والقَلَقِ، أَكثِرْ من قَولِ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَجعَلُكَ في نُحُورِهِم، ونَعُوذُ بِكَ من شُرُورِهِم، روى الإمام أحمد وأبو داود عن عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَافَ قَوْماً قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ».

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ، لا يُمكِنُ لِقَلبِ المُؤمِنِ أن يَسكُنَ أو يَرتَاحَ أو يَطمَئِنَّ لِغَيرِ اللهِ تعالى، لذلكَ لِنُكثِرْ من قَولِنَا: ﴿فاللهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾.

يَا من يَخَافُ على وَلَدِهِ وعِرْضِهِ ومَالِهِ ونَفسِهِ ودِينِهِ من شَرِّ الأَشرَارِ، ومن كَيدِ الفُجَّارِ، قُلْ: ﴿فاللهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾.

يَا صَاحِبَ الهَمِّ والخَوفِ والقَلَقِ، يَا مَن وَقَعتَ في شِدَّةٍ، يَا مَن وَقَعَت عَلَيكَ مُصِيبَةٌ، يَا مَن وَقَعتَ في كَربٍ وبَلاءٍ عَظِيمٍ، اِرفَعْ يَدَيكَ إلى السَّمَاءِ، وأَلِحَّ على اللهِ تعالى بالدُّعَاءِ، فَحَاشَا لِرَبِّنَا عزَّ وجلَّ أن يَرُدَّ يَدَيكَ صِفْرَاً، روى الترمذي عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْراً خَائِبَتَيْنِ».

وفي الخِتَامِ: يَا أَيُّهَا المَظلُومُ، بِأَيِّ صُورَةٍ من صُوَرِ الظُّلْمِ، أَبشِرْ واطمَئِنَّ وَرَبِّ الكَعبَةِ بأنَّكَ رَابِحٌ ولَستَ بِخَاسِرٍ، يَا أَيُّهَا العَبدُ المَظلُومُ، يَا من سُفِكَت لَكَ دِمَاءٌ، وسُلِبَت لَكَ أَموَالٌ، وتَهَدَّمَ بَيتُكَ، ونَزَحتَ من بَيتِكَ، أَبشِرْ واطمَئِنَّ وَرَبِّ الكَعبَةِ، فأَنتَ رَابِحٌ ولَستَ بِخَاسِرٍ، واعلَمْ بأنَّ دَعوَتَكَ لَيسَ بَينَهَا وبَينَ اللهِ حِجَابٌ، لمَّا بَعَثَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُعَاذَاً إلى اليَمَنِ، قَالَ لَهُ:  «وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ» رواه الشيخان عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما.

يَا عِبَادَ اللهِ، قُولُوا للظَّالِمِ بأنَّ دُعَاءَ المَظلُومِ عَلَيكَ مُستَجَابٌ، ولو كَانَ فَاجِرَاً في حَقِّ نَفسِهِ، لا في حَقِّ غَيرِهِ، دُعَاؤُهُ مُستَجَابٌ إن كَانَ مظلُومَاً، ولو كَانَ تَارِكَاً للصَّلاةِ والصِّيَامِ والزَّكَاةِ.

أخرجَ الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ، وَإِنْ كَانَ فَاجِراً فَفُجُورُهُ عَلَى نَفْسِهِ».

لِنُكثِرْ يَا عِبَادَ اللهِ من قَولِنَا حَسبُنَا اللهُ ونِعمَ الوَكِيلُ، يَا مَالِكَ يَومِ الدِّينِ، إِيَّاكَ نَعبُدُ، وإِيَّاكَ نَستَعِينُ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَجعَلُكَ في نُحُورِهِم، ونَعُوذُ بِكَ من شُرُورِهِم، ﴿فاللهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾. فَنَسأَلُكَ يَا رَبَّنَا أن تَحفَظَ هذا البَلَدَ وسَائِرَ بِلادِ المُسلِمِينَ من شَرِّ الأَشرَارِ، ومن كَيدِ الفُجَّارِ. آمين.

أقُولُ هَذا القَولَ، وأستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم، فَاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 25/ذو القعدة/1435هـ، الموافق: 19/أيلول / 2014م