23ـ أشراط الساعة: كثرة شرب الخمر وتسميتها بغير اسمها

 

 أشراط الساعة

23ـ كثرة شرب الخمر وتسميتها بغير اسمها

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: من عَلامَاتِ السَّاعَةِ التي أَخبَرَ عَنهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، والتي ظَهَرَتْ وانْتَشَرَتْ، وهيَ بازْدِيَادٍ، شُرْبُ الخَمْرِ، مَعَ تَسْمِيَتِهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا التي كَانَتْ مَعْرُوفَةً بِهِ (الخَمْرُ).

ولا يُقْصَدُ بِشُرْبِ الخَمْرِ مُجَرَّدُ الشُّرْبِ، فهذا كَانَ مَوجُودَاً مُنذُ زَمَنِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بَل من قَبلِ ذلكَ بِكَثِيرٍ، وكَانَ النَّاسُ يَتَمَوَّنُونَهَا، كَمَا يَتَمَوَّنُونَ الطَّعَامَ والشَّرَابَ، وإِنَّمَا المُرَادُ انْتِشَارُهَا بِكَثْرَةٍ، وكَثْرَةُ اسْتِعْمَالِهَا، واسْتِحْلالُهَا بَعدَ تَحْرِيمِهَا.

روى الشيخان عَنْ أَنَسِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ، وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ».

وفي رِوَايَةٍ للإمام البخاري عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ، وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي، سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ، وَالْحَرِيرَ، وَالْخَمْرَ، وَالْمَعَازِفَ».

وروى الطَّبَرَانِيُّ في الأًَوسَطِ عَن ابنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ يَظْهَرُ الرِّبَا، والزِّنَا، والخَمْرُ».

أيُّها الإخوة الكرام: لقد لَعِبَ الشَّيطَانُ بِكَثِيرٍ من النَّاسِ،حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهُم إذا سَمُّوا الخَمْرَ بِغَيْرِ اسْمِهَا خَلُصُوا من الحَرَامِ، ونَسِيَ هؤلاءِ أنَّ العِبْرَةَ لَيسَتْ في الاسْمِ، إنَّمَا في المُسَمَّى.

لقد سَمَّى البَعْضُ الخَمْرَ بِغَيْرِ اسْمِهَا في هذا العَصْرِ، وكَانَ ذلكَ من مُعْجِزَاتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، روى الإمام أحمد عن أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ، يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا».

وروى الإمام أحمد وابن ماجه عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَيَسْتَحِلَّنَّ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ بِاسْمٍ يُسَمُّونَهَا إِيَّاهُ».

وروى الحاكم عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ نَاسَاً من أُمَّتِي يَشْرَبُونَ الخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا».

خُطُورَةُ شُرْبِ المُسْكِرَاتِ:

أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّ شُرْبَ المُسْكِرَاتِ لَهَا ضَرَرٌ كَبِيرٌ في المُجتَمَعِ، بِسَبَبِهَا تَعُمُّ الفِتَنُ، وتُحْدِقُ الأَخطَارُ، وهيَ عِلَّةٌ للخَرَابِ والدَّمَارِ، وسَبَبٌ لِسَخَطِ الرَّبِّ الجَبَّارِ، وسَبِيلٌ مُظْلِمٌ يَهْدِي إلى النَّارِ، وسَبَبٌ لِزَهْقِ الرُّوحِ، قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمَاً * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانَاً وَظُلْمَاً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارَاً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرَاً﴾.

وإِنَّ شُرْبَ المُسْكِرَاتِ سَبَبٌ للانْسِلاخِ من الإِيمَانِ والعِيَاذُ باللهِ تعالى إذا اسْتَحَلَّهُ العَبدُ، روى الشيخان عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ».

إِنَّ شُرْبَ المُسْكِرَاتِ يُفْسِدُ العَقْلَ والدِّينَ، ويُورِثُ صَاحِبَهَا الفِعْلَ المَشِينَ، ويَجعَلُهُ في حَالِ المُبْغَضِ المَهِينِ، كَم أَتْلَفَتْ من أَموَالٍ، وسَاءَتْ بِسَبَبِهَا الأَحوَالُ، وجَلَبَتِ العَارَ لأَهْلِ الفَضْلِ والمَكْرُمَاتِ، كَم طَأْطَأَتْ من رُؤُوسٍ، وأَذَّلَتْ من نُفُوسٍ.

«الْخَمْرُ أُمُّ الْخَبَائِثِ»:

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ من أَعظَمِ نِعَمِ اللهِ تعالى على العَبدِ بَعدَ نِعْمَةِ الإِيمَانِ نِعْمَةَ العَقْلِ، يَقُولُ سَيِّدُنَا الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: لَو كَانَ العَقلُ يُشْتَرَى، لَتَغَالَى النَّاسُ في ثَمَنِهِ، فالعَجَبُ مِمَّن يَشْتَرِي بِمَالِهِ مَا يُفْسِدُهُ.

ورَحِمَ اللهُ تعالى القَائِلَ:

وأَفْضَلُ قَسْمِ اللهِ للمَرْءِ عَقْلُهُ   ***   ولَيسَ من الخَيرَاتِ شَيءٌ يُقَاربُهُ

وَيَزرِي بِهِ في النَّاسِ قِلَّةُ عَقْلِهِ   ***   وإنْ كَـرُمَـتْ أَعـرَاقُهُ ومَـنَاسِبُهُ

أيُّها الإخوة الكرام: إذا فَقَدَ الإِنسَانُ عَقْلَهُ أَفْسَدَ وبَغَى، وخَرَّبَ وطَغَى، وأَلْحَقَ بالآخَرِينَ الضَّرَرَ.

روى الحاكم عَن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اِجْتَنِبُوا الخَمْرَ، فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ».

ويَقُولُ سَيٍّدُنَا عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: اِجْتَنِبُوا الخَمْرَ، فَإِنَّهَا أُمُّ الخَبَائِثِ، فَإِنَّهُ كَانَ رَجُلٌ مِمَّن خَلا قَبْلَكُم يَتَعَبَّدُ وَيَعْتَزِلُ النَّاسَ، فَعَلِقَتْهُ امْرَأَةٌ غَاوِيَةٌ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ خَادِمَهَا.

فَقَالَتْ: إِنَّا نَدْعُوكَ لِشَهَادَةٍ فَدَخَلَ، فَطَفِقَتْ كُلَّمَا دَخَلَ بَاباً أَغْلَقَتْهُ دُونَهُ، حَتَّى أَفْضَى إِلَى امْرَأَةٍ وَضِيئَةٍ، وَعِنْدَهَا غُلامٌ وَبَاطِيَةٌ فِيهَا خَمْرٌ،

فَقَالَتْ: إِنَّا لَمْ نَدْعُكَ لِشَهَادَةٍ وَلَكِنْ دَعَوْتُكَ لِتَقْتُلَ هَذَا الْغُلامَ، أَوْ تَقَعَ عَلَيَّ، أَوْ تَشْرَبَ كَأْساً مِنْ هَذَا الْخَمْرِ، فَإِنْ أَبَيْتَ صِحْتُ وَفَضَحْتُكَ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لا بُدَّ لَهُ مِنْ ذَلِكَ.

قَالَ: اسْقِنِي كَأْساً مِنْ هَذَا الْخَمْرِ.

فَسَقَتْهُ كَأْساً مِنَ الْخَمْرَةِ.

قَالَ: زِيدِينِي.

فَلَمْ يَرِمْ حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهَا، وَقَتَلَ النَّفْسَ.

قَالَ: فَاجْتَنِبُوا الخَمْرَ، فَإِنَّهُ واللهِ لا يَجْتَمِعُ والإِيمَانَ أَبَدَاً إلا يُوشِكُ أَحَدُهُمَا أن يُخْرِجَ صَاحِبَهُ. رواه البَيهَقِيُّ.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّ أَجْدَى الوَسَائِلِ للكَفِّ عن هذا المُنكَرِ هوَ تَقْوِيَةُ الوَازِعِ الإِيمَانِيِّ، فَبِقُوَّةِ الإِيمَانِ يَبْتَعِدُ العَبدُ عن هذا المُنكَرِ.

روى الإمام البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ سَاقِيَ الْقَوْمِ فِي مَنْزِلِ أَبِي طَلْحَةَ، فَنَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، فَأَمَرَ مُنَادِيَاً فَنَادَى، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: اخْرُجْ فَانْظُرْ مَا هَذَا الصَّوْتُ؟

قَالَ: فَخَرَجْتُ فَقُلْتُ: هَذَا مُنَادٍ يُنَادِي: أَلَا إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ.

فَقَالَ لِي: اذْهَبْ فَأَهْرِقْهَا.

قَالَ: فَجَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ.

قَالَ: وَكَانَتْ خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ الْفَضِيخَ.

فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: قُتِلَ قَوْمٌ وَهْيَ فِي بُطُونِهِمْ.

قَالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ:  ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾.

وَأَخرَجَ ابنُ جَرِيرٍ وَأَبُو الشَّيخِ وابنُ مَردَويه عَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: بَينَا أُدِيرَ الكَأْسُ على أَبِي طَلحَةَ، وَأَبِي عُبَيدَةَ بنِ الجَرَّاحِ، وَمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، وَسُهَيلِ بنِ بَيضَاءَ، وَأَبِي دُجَانَةَ، حَتَّى مَالَت رُؤُوسُهُم من خَلِيطِ بُسْرٍ وَتَمرٍ، فَسَمِعنَا مُنَادِيَاً يُنَادِي: ألا إنَّ الخَمْرَ قد حُرِّمَت.

قَالَ: فَمَا دَخَلَ عَلَينَا دَاخِلٌ ولا خَرَجَ مِنَّا خَارِجٌ حَتَّى أَهْرَقْنَا الشَّرَابَ، وَكَسَرنَا القِلالَ، وَتَوَضَّأَ بَعْضُنَا، واغْتَسَلَ بَعْضُنَا، وَأَصَبْنَا من طِيبِ أُمِّ سُلَيمٍ، ثمَّ خَرَجنَا إلى المَسْجِدِ فإذا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾.

فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَا مَنْزِلَةُ مَن مَاتَ مِنَّا وهوَ يَشْرَبُهَا؟

فَأَنزَلَ اللهُ:  ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا﴾.

وروى الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: حُرِّمَتْ الْخَمْرُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ، وَيَأْكُلُونَ الْمَيْسِرَ، فَسَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمَا، فَأَنْزَلَ اللهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾. إِلَى آخِرِ الْآيَةِ.

فَقَالَ النَّاسُ: مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا، إِنَّمَا قَالَ: ﴿فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ﴾.

وَكَانُوا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمٌ مِن الْأَيَّامِ صَلَّى رَجُلٌ مِن الْمُهَاجِرِينَ أَمَّ أَصْحَابَهُ فِي الْمَغْرِبِ، خَلَطَ فِي قِرَاءَتِهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ فِيهَا آيَةً أَغْلَظَ مِنْهَا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾.

وَكَانَ النَّاسُ يَشْرَبُونَ، حَتَّى يَأْتِيَ أَحَدُهُمُ الصَّلَاةَ وَهُوَ مُفِيقٌ، ثُمَّ أُنْزِلَتْ آيَةٌ أَغْلَظُ مِنْ ذَلِكَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.

فَقَالُوا: انْتَهَيْنَا رَبَّنَا.

فَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَاسٌ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ، أَوْ مَاتُوا عَلَى فُرُشِهِمْ، كَانُوا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ، وَيَأْكُلُونَ الْمَيْسِرَ، وَقَدْ جَعَلَهُ اللهُ رِجْسَاً، وَمِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، فَأَنْزَلَ اللهُ: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا﴾. إِلَى آخِرِ الْآيَةِ.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ لَتَرَكُوهَا كَمَا تَرَكْتُمْ».

اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

 

الأربعاء: 5/جمادى الثانية /1436هـ، الموافق: 25/آذار/ 2015م