1ـ أسماء الله تعالى الحسنى: المقدمة

 

 أسماء الله تعالى الحسنى، وأثرها في المؤمن

1ـ المقدمة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّ أَسْمَاءَ اللهِ تعالى الحُسْنَى شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ، تَحْتَوِي على مَعَانٍ جَلِيلَةٍ نَابِعَةٍ من عِلْمِ التَّوْحِيدِ، لا يَسْتَغْنِي المُؤْمِنُ عن نَفَحَاتِ عِطْرِهَا الفَوَّاحِ، كَيْ يَشْعُرَ بالسَّلامِ والرَّاحَةِ مَعَ نَفْسِهِ وغَيْرِهِ.

كَمَا يُدْرِكُ المُؤْمِنُ من خِلالِهَا عَظَمَةَ الخَالِقِ، فَيَزْدَادُ المَرْءُ خُشُوعَاً لَهُ، واعْتِمَادَاً عَلَيهِ، وشَوْقَاً إِلَيهِ.

أَسْمَاءُ اللهِ تعالى الحُسْنَى شَجَرَةٌ أَصْلُهَا ثَابِتٌ، وظِلُّهَا وَارِفٌ إلى الأَبَدِ، تَهَبُ قَلْبَ المُؤْمِنِ الطُّمَأْنِينَةَ، وتُكْسِبُ الرُّوحَ السَّكِينَةَ، وتُعْطِي الخَلْقَ الفَضِيلَةَ، وتَمْنَحُ العَقْلَ الحِكْمَةَ.

فَهْمُ الأَسْمَاءِ الحُسْنَى يُقَوِّي الإِيمَانَ، ويُعِينُ على فَهْمِ القُرْآنِ، ويُوَجِّهُ سُلُوكَ العَبْدِ المُؤْمِنِ، ويُنَمِّي عَقْلَهُ، ويَجْعَلُ شَخْصِيَّةَ المُؤْمِنِ شَخْصِيَّةً نَافِعَةً، ويُتُرْجِمُ الإِسْلامَ إلى عَمَلٍ، حَتَّى يَقُولَ المُؤْمِنُ بِكُلِّ عِزٍّ وافْتِخَارٍ: ﴿إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: مَن عَرَفَ اللهَ تعالى عَرَفَ مَا سِوَاهُ، ومَن جَهِلَ رَبَّهُ فَهُوَ لما سِوَاهُ أَجْهَلُ، فَعَلى أَسَاسِ العِلْمِ الصَّحِيحِ باللهِ تعالى وأَسْمَائِهِ وصِفَاتِهِ يَقُومُ الإِيمَانُ الصَّحِيحُ والتَّوْحِيدُ الخَالِصُ.

﴿وللهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾:

أيُّها الإخوة الكرام: يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وللهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ﴾. ويَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَاً، مِائَةً إِلَّا وَاحِدَاً، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أيُّها الإخوة الكرام: قَالَ العُلَمَاءُ: من حَفِظَ أَسْمَاءَ اللهِ تعالى الحُسْنَى عَن ظَهْرِ قَلْبٍ دَخَلَ الجَنَّةَ؛ وقَالَ بَعْضُهُم: من عَرَفَ مَعَانِيهَا وآمَنَ بِهَا دَخَلَ الجَنَّةَ؛ وقَالَ بَعْضُهُم: مَن أَطَاقَهَا بِحُسْنِ الرِّعَايَةِ لَهَا دَخَلَ الجَنَّةَ؛ وقَالَ بَعْضُهُم: مَن تَخَلَّقَ بِمَا يُمْكِّنُهُ من العَمَلِ بِمَعَانِيهَا دَخَلَ الجَنَّةَ؛ والأَمْرُ يَسَعُ جَمِيعَ المَعَانِي إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى.

أيُّها الإخوة الكرام: من المُقَرَّرِ في شَرْعِنَا الشَّرِيفِ أَنَّ الإِيمَانَ تَصْدِيقٌ بالقَلْبِ، وعَمَلٌ بالأَرْكَانِ، وأَنَّ القُرْآنَ العَظِيمَ حُجَّةٌ للعَبْدِ، أو حُجَّةٌ عَلَيهِ.

فَعِنْدَمَا يَقُولُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَمَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ وَهُوَ يَتَعَاهَدُهُ وَهُوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ فَلَهُ أَجْرَانِ» رواه الإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها. فَهَل إذا قَرَأَ المُنَافِقُ القُرْآنَ دُونَ أَنْ يُحِلَّ حَلالَهُ، أو يُحَرِّمَ حَرَامَهُ، تَنْفَعُهُ تِلاوَةُ القُرْآنِ العَظِيمِ؟

الذي يَقْرَأُ القُرْآنَ وهوَ مَاهِرٌ بِهِ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ، هذا إذا كَانَ يُحِلَّ حَلالَهُ، ويُحَرِّمَ حَرَامَهُ، وإلا كَانَ حُجَّةً عَلَيهِ، كَمَا جَاءَ عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: رُبَّ تَالٍ للقُرْآنِ والقُرْآنُ يَلْعَنُهُ.

وكذلكَ هكذا الحُكْمُ يَتَعَلَّقُ بِأَسْمَاءِ اللهِ تعالى الحُسْنَى، والتي قَالَ فِيها الحَبِيبُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ».

الدُّعَاءُ بِأَسْمَاءِ اللهِ تعالى الحُسْنَى:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد أَمَرَ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى عِبَادَهُ أَنْ يَسْأَلُوهُ بِأَسْمَائِهِ الحُسْنَى، فَقَالَ تعالى: ﴿وللهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾.

وقد أَخْبَرَنَا اللهُ عزَّ وجلَّ في القُرْآنِ العَظِيمِ أَنَّ جَمِيعَ أَنْبِيَائِهِ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ كَانُوا يَدْعُونَهُ بِأَسْمَائِهِ الحُسْنَى، وصِفَاتِهِ العُلَى، كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾. وكَقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبَاً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾. وكَقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدَاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: كذلكَ أَمَرَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أَنْ نَدْعُوَ اللهَ تعالى بِأَسْمَاءِ اللهِ تعالى، وصِفَاتِهِ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ، من جُمْلَةِ ذلكَ:

ما رواه الإمام الحاكم عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «مَا أَصَابَ مُسْلِمَاً قَطُّ هَمٌّ وَحَزَنٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي في يَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدَاً مِنْ خَلْقِكَ، أَو اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي؛ إِلَّا أَذْهَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحَاً».

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا نَتَعَلَّمُ هذهِ الكَلِمَاتِ؟

قَالَ: «بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ».

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: لَو دَقَّقْنَا أَثْنَاءَ تِلاوَةِ القُرْآنِ العَظِيمِ فَإِنَّا نَجِدُ كَثِيرَاً من الآيَاتِ الكَرِيمَةِ تُخْتَمُ بِأَسْمَاءِ اللهِ تعالى أو بِصِفَاتِهِ، خَتْمَاً مُنَاسِبَاً لِمَعْنَى الآيَةِ الكَرِيمَةِ.

رُوِيَ أَنَّ الأَصْمَعِيَّ كَانَ يَقْرَأُ: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالَاً مِنَ اللهِ واللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

فَسَمِعَهُ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: كَلَامُ مَنْ هذا؟

فَقَالَ: كَلَامُ اللهِ.

قَالَ: لَيسَ هذا كَلَامَ اللهِ.

فَانْتَبَهَ الأَصْمَعِيُّ، فَقَرَأَ ﴿واللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.

فَقَالَ: أَصَبْتَ، هذا كَلَامُ اللهِ؛ أَتَقْرَأُ القُرْآنَ؟

قَالَ: لا.

فَقَالَ: مِن أَيْنَ عَلِمْتَ؟

قَالَ: يا هذا عَزَّ فَحَكَمَ فَقَطَعَ، وَلَو غَفَرَ وَرَحِمَ لَمَا قَطَعَ.

أيُّها الإخوة الكرام: مَعْرِفَةُ أَسْمَاءِ اللهِ تعالى الحُسْنَى، ومَعْرِفَةُ صِفَاتِهِ العُلى، سَبَبٌ لِتَعْظِيمِ اللهِ تعالى، وسَبَبٌ لِزِيَادَةِ الخُضُوعِ لَهُ، وبذلكَ يُسْعَدُ الإِنسَانُ دُنيَا وأُخْرَى.

مَعْرِفَةُ أَسْمَاءِ اللهِ تعالى الحُسْنَى تُشْعِرُ العَبْدَ المُؤْمِنَ بالقُوَّةِ، وأَنَّ نَوَاصِيَ العِبَادِ جَمِيعَاً بِيَدِهِ تَبَارَكَ وتعالى.

من خِلالِ هذا المُنْطَلَقِ، رَدَّ سَيِّدُنَا هُودٌ عَلَيهِ السَّلامُ على قَوْمِهِ، حِينَمَا عَادَوْهُ، قَالَ تعالى مُخْبِرَاً عَنهُ وعن قَوْمِهِ: ﴿قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾. وهذا الكَلامُ يُشْعِرُ بالتَّحَدِّي لَهُ، فَرَدَّ عَلَيهِم مُتَحَدِّيَاً بِقَوْلِهِ: ﴿إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: من هذا المُنْطَلَقِ وَجَبَ عَلَينَا أَنْ نَتَعَرَّفَ على أَسْمَاءِ اللهِ تعالى الحُسْنَى، حَتَّى إذا دَعَوْنَا اللهَ تعالى بِأَسْمَائِهِ الحُسْنَى نَدْعُوهُ بِهَا ونَحنُ على عِلْمٍ، وبذلكَ يَكُونُ الأَثَرُ الوَاضِحُ عَلَينَا بِإِذْنِ اللهِ تعالى في حَيَاتِنَا.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 1/رمضان /1435هـ، الموافق: 18/حزيران / 2015م