1ـ دروس رمضانية لعام 1436: عداوة الشيطان للإنسان محكمة

 

 1ـ دروس رمضانية لعام 1436: عداوة الشيطان للإنسان محكمة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فيا أيُّها الإخوة الكرام:

هذا شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ قَد أَطَلَّ على الأُمَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ، هذا الشَّهْرُ العَظِيمُ المُبَارَكُ كُلَّمَا أَطَلَّ على الدُّنيَا كَانَ لَهُ أَثَرٌ في السَّمَاءِ وفي الأَرْضِ، وَأَثَرُهُ في السَّمَاءِ والأَرْضِ من أَجْلِ مَصْلَحَةِ ابْنِ آدَمَ الخَطَّاءِ، كَانَ لَهُ أَثَرٌ في السَّمَاءِ والأَرْضِ لِيَكُونَ عَوْنَاً لَنَا على الاسْتِقَامَةِ والاصْطِلَاحِ مَعَ اللهِ تعالى، لِيَكُونَ عَوْنَاً لَنَا على سُلُوكِ الطَّرِيقِ الذي يُوصِلُنَا إلى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ والأَرْضُ، لِيَكُونَ عَوْنَاً لَنَا على الاصْطِلَاحِ فِيمَا بَيْنَ بَعْضِنَا البَعْضِ.

روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وللهِ عُتَقَاءُ مِن النَّارِ، وَذَلكَ كُلَّ لَيْلَةٍ».

فَكُلَّمَا أَطَلَّ هذا الشَّهْرُ على أُمَّةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ جَعَلَ أَثَرَاً في السَّمَاءِ، حَيْثُ تُفَتَّحُ أَبْوَابُ الجِنَانِ، وَتُغْلَقُ أَبْوَابُ النِّيرَانِ، وَجَعَلَ أَثَرَاً في الأَرْضِ حَيْثُ تُصَفَّدُ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الجِنِّ، وَبَعْدَ ذلكَ نَادَى المُنَادِي: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ.

عَدَاوَةُ الشَّيْطَانِ للإِنْسَانِ مُحْكَمَةٌ:

أيُّها الإخوة الكرام: الشَّيْطَانُ عَدُوٌّ للإِنْسَانِ، وَعَدَاوَتُهُ مُحْكَمَةٌ لا تَتَحَوَّلُ ولا تَزُولُ، وقد أَخْبَرَنَا مَوْلَانَا عزَّ وجلَّ عَن عَدَاوَتِهِ لَنَا بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوَّاً﴾.

يَقُولُ العُلَمَاءُ في هذهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: إِنَّهَا تَضَمَّنَتْ خَبَرَاً وَأَمْرَاً، فَأَمَّا الخَبَرُ فَهُوَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ﴾. وهذا الخَبَرُ من اللهِ تعالى لا يَقْبَلُ النَّسْخَ ولا التَّغْيِيرَ ولا التَّبْدِيلَ، وَأَمَّا الأَمْرُ فَهُوَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿فَاتَّخِذُوهُ عَدُوَّاً﴾. ولا يَلِيقُ بالإِنْسَانِ المُؤْمِنِ أَنْ يَتَّخِذَهُ لِنَفْسِهِ وَلِيَّاً، أو أَنْ يُصْغِيَ إِلَيْهِ، لأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى عَاتَبَ عِبَادَهُ عِتَابَ لُطْفٍ فَقَالَ: ﴿إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً﴾. وَيَقُولُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِين * وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيم﴾.

كُونُوا يا أيُّها الإخوة الكرام مُمْتَثِلِينَ أَمْرَ رَبِّكُم عزَّ وجلَّ، واحْذَروا امْتِثَالَ أَمْرِ الشَّيْطَانِ، لأَنَّ الشَّيْطَانَ يُرِيدُ إِلْقَاءَ العَدَاوَةِ والبَغْضَاءِ بَيْنَ العِبَادِ، وَقَد أَخْبَرَنَا اللُه عزَّ وجلَّ عَن هذهِ الحَقِيقَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء﴾. وإذا وَقَعَتِ العَدَاوَةُ والبَغْضَاءُ بَيْنَ العِبَادِ ارْتَكَبُوا المُوبِقَاتِ، من قَتْلِ نَفْسٍ، وَإِزْهَاقِ أَرْوَاحٍ، وَهَضْمٍ للحُقُوقِ، وَإِشْعَالٍ لِنَارِ الفِتَنِ بَيْنَ النَّاسِ، وبذلكَ يَتَحَقَّقُ للشَّيْطَانِ مَا يُرِيدُ، حَيْثُ يَكُونُ هؤلاءِ من أَصْحَابِ السَّعِيرِ، لأَنَّ الشَّيْطَانَ يُرِيدُ هذا لابْنِ آدَمَ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوَّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِير﴾.

هَلْ عَرَفَتِ الأُمَّةُ هذهِ الحَقِيقَةَ؟

أيُّها الإخوة الكرام: هَلْ عَرَفَتِ الأُمَّةُ هذهِ الحَقِيقَةَ؟ هَلْ عَرَفَ الرَّاعِي والرَّعِيَّةُ هذهِ الحَقِيقَةَ؟ حَقِيقَةٌ لا مَجَالَ لإِنْكَارِهَا: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء﴾.

وَعِنْدَمَا غَفَلَتِ الأُمَّةُ عَن هذهِ الحَقِيقَةِ أَوْقَعَ الشَّيْطَانُ نَارَ العَدَاوَةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَخَاصَّةً بَيْنَ الرَّاعِي والرَّعِيَّةِ، وَوَقَعَتِ الآثَامُ، وَسُفِكَتِ الدِّمَاءُ، وَهُتِكَتِ الأَعْرَاضُ، وَضُيِّعَتِ الحُقُوقُ.

أيُّها الإخوة الكرام: مَا مِن عَبْدٍ خَلَقَهُ اللهُ تعالى إِلَّا وَلَهُ شَيْطَانٌ، كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِن الْجِنِّ».

قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: «وَإِيَّايَ، إِلَّا أَنَّ اللهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ، فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ» رواه الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

هَلْ سَمِعْتِ الأُمَّةُ بِقَضِّهَا وقَضِيضِهَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا لَهُ شَيْطَانٌ؟ وَهَلْ وَافَقْنَاهُ أَمْ خَالَفْنَاهُ؟ نَعَمْ لَقَد سُلِّطَتْ عَلَيْنَا شَيَاطِينُ الإِنْسِ والجِنِّ، وَأَوْقَعُوا نَارَ العَدَاوَةِ والبَغْضَاءِ، وَلَعِبُوا دَوْرَهُم بَيْنَ النَّاسِ، وَأَشْعَلُوا نَارَ الفِتَنِ، حَتَّى سُفِكَتِ الدِّمَاءُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلا باللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.

عَوْنٌ من اللهِ تعالى لَنَا:

أيُّها الإخوة الكرام: هذا شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ قَد أَظَلَّنَا، وهذهِ مَعُونَةٌ من اللهِ تعالى لَنَا لِإِطْفَاءِ نَارِ الفِتْنَةِ، حَيْثُ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الجِنِّ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجِنَانِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النِّيرَانِ، وَنَادَى المُنَادِي للجَمِيعِ، مِن حَاكِمٍ وَمَحْكُومٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، لَقَد فَتَحَ اللهُ تعالى لَنَا جَمِيعَاً بَابَ التَّوْبَةِ، وَنَادَى العِبَادَ جَمِيعَاً حُكَّامَاً وَمَحْكُومِينَ بِقَوْلِه تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعَاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون﴾.

يَا مَن يُرِيدُ الصَّلَاحَ والإِصْلَاحَ، وَيَا مَن يُرِيدُ إِعْطَاءَ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، هذا هُوَ المُنَادِي يُنَادِيكَ في شَهْرِ رَمَضَانَ: «يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ» أَقْبِلْ على اللهِ تعالى عَابِدَاً رَاكِعَاً سَاجِدَاً، وَمَتَى نَرَى هذا المَشْهَدَ أيُّها الإخوة الكرام؟ مَتَى نَرَى الأُمَّةَ بِقَضِّهَا وقَضِيضِهَا وَضَعَتْ جِبَاهَهَا على الأَرْضِ سَاجِدَةً للهِ تعالى تَبْتَغِي فَضْلَاً من اللهِ تعالى وَرِضْوَانَاً؟

العِزَّةُ والسِّيَادَةُ والرِّيَادَةُ بالإِيمَانِ:

أيُّها الإخوة الكرام: إِذَا أَرَدْنَا العِزَّةَ والسِّيَادَةَ والرِّيَادَةَ فَعَلَيْنَا بالإِيمَانِ، عَلَيْنَا بالإِقْبَالِ على اللهِ تعالى، وَأَنْ نَقْصُرَ عن الشَّرِّ، عَلَيْنَا بِكَلِمَةِ لا إِلَهَ إلا اللهُ، عَقِيدَةً والْتِزَامَاً، وَتَذَكَّرُوا يا أيُّها الإخوة الكرام حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، عِنْدَمَا اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ على عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ وَشَكَوْا إِلَيْهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وَقَالُوا: إِنَّهُ يَسُبُّ آلِهَتَنَا وَيُسَفِّهُ أَحْلَامَنَا، وَيَذْكُرُ أَنَّ آباءَنَا في النَّارِ، فَدَعَا أَبُو طَالِبٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، هؤلاءِ قَوْمُكَ جَاؤُوا يَشْكُونَكَ وَيَذْكُرُونَ كَذَا وكَذَا، فَمَاذَا تَطْلُبُ مِنهُم؟

قَالَ: «أَطْلُبُ مِنهُم كَلِمَةً وَاحِدَةً، إِنْ قَالُوهَا دَانَتْ لَهُمُ العَرَبُ، وَأَدَّتْ إِلَيْهِمُ العَجَمُ الجِزْيَةَ».

فَقَالَ القَوْمُ: نَحْنُ نَقُولُ عَشْرَ كَلِمَاتٍ، فَمَاذَا تُرِيدُ؟

فَقَالَ: «قُولُوا: لَا إِلَهَ إلا اللهُ».

فَنَفَرُوا وَقَامُوا وَقَالُوا: لا نَقُولُهَا أَبَدَاً، وَجَعَلَ بَعْضُهُم يَقُولُ لِبَعْضٍ: اِمْشُوا وَاصْبِرُوا على آلِهَتِكُم.

هذا هُوَ قَرَارُ الصَّادِقِ المَصْدُوقِ الذي مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى، اِسْمَعْ هذا القَرَارَ يَا مَن أَرَدْتَ التَّمَكُّنَ في الأَرْضِ حُكُومَةً وَشَعْبَاً، وَصَدَقَ اللُه تعالى القَائِلُ: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنَاً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئَاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون﴾.

نَعَمْ، عِنْدَمَا سَمِعَتِ الأُمَّةُ كَلَامَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ دَانَتْ لَهُمُ العَرَبُ، وَدَفَعَتْ لَهُمُ الجِزْيَةَ الأَعَاجِمُ، مَن كَانَ يُصَدِّقُ هذا أَيُّهَا الإِخْوَةُ؟ لَقَد كَانَتْ فَارِسُ والرُّومُ تَنْظُرُ إلى العَرَبِ كَنَظْرَةِ الغَرْبِ إلى العَرَبِ اليَوْمَ، وَلَكِنْ بِسِرِّ كَلِمَةِ: (لَا إِلَهَ إلا اللهُ) وبالعَمَلِ بِمَضْمُونِهَا، تَحَقَّقَتْ لَهُم بِشَارَةُ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.

حَكِّمُوا شَرْعَ اللهِ فِيكُم:

أيُّها الإخوة الكرام: هذا شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ الذي جَعَلَ أَثَرَاً في السَّمَاءِ وفي الأَرْضِ، وَنَادَى المُنَادِي بِقَوْلِه: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، فَهَلْ حَكَّمْتُمْ شَرْعَ اللهِ فِيكُم؟ وَهَلْ تَذَكَّرْتُم قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجَاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمَاً﴾؟ اِسْمَعُوا هذا يا أيُّها الإخوة الكرام، وَحَكِّمُوا دِينَ اللهِ فِيكُم.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: لِنَسْمَعْ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وَصِيَّةَ المَعْصُومِ، وَصِيَّةَ النَّاصِحِ الأَمِينِ، وَصِيَّةَ النَّذِيرِ العُرْيَانِ، وَهُوَ يُخَاطِبُ الأُمَّةَ كُلَّهَا من القَاعِدَةِ إلى القِمَّةِ حَتَّى تَغْتَنِمَ فُرْصَةَ هذا الشَّهْرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «قَالَ اللهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ وَلا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

اِسْمَعِي أَيَّتُهَا الأُمَّةُ المُبَارَكَةُ لِقَوْلِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «أَتَاكُم رَمَضَانُ شَهْرُ بَرَكَةٍ، يَغْشَاكُمُ اللهُ فِيهِ، فَيُنْزِلُ الرَّحْمَةَ، وَيَحُطُّ الخَطَايَا، وَيَسْتَجِيبُ فِيهِ الدُّعَاءَ، يَنْظُرُ اللهُ تعالى إلى تَنَافُسِكُم فِيهِ، وَيُبَاهِي بِكُمْ مَلَائِكَتَهُ، فَأَرُوا اللهَ من أَنْفُسِكُمْ خَيْرَاً، فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَن حُرِمَ فِيهِ رَحْمَةَ اللهِ عزَّ وجلَّ» رواه الطبراني عَن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

أيُّها الإخوة الكرام: أَرُوا اللهَ خَيْرَاً في هذا الشَّهْرِ المُبَارَكِ، فالشَّقِيُّ مَن حُرِمَ في هذا الشَّهْرِ رَحْمَةَ اللهِ تعالى.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ لا يَحْرِمَنَا الرَّحْمَةَ، وَأَنْ يَجْمَعَ شَمْلَ هذهِ الأُمَّةِ، وَأَنْ يَسْتُرَ أَعْرَاضَنَا، وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِنَا. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

 

السبت: 3/رمضان /1436هـ، الموافق: 20/حزيران / 2015م