9ـ مع الصحابة و آل البيت: أخلاق الزهراء رَضِيَ اللهُ عَنها وأرضاها

 

 مع الصحابة و آل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

9ـ أخلاق الزهراء

رَضِيَ اللهُ عَنها وأرضاها

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: لقد جَاءَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِتَهْذِيبِ للنُّفُوسِ، وتَقْوِيمِ أَخلاقِهَا، ولِنَشْرِ الخَيرِ والفَضِيلَةِ بَينَ النَّاسِ، لقد كَانَتْ مَكَارِمُ الأَخلاقِ، ومَحَاسِنُ الآدَابِ، ومَعَالِي القِيَمِ، وفَضَائِلُ الشِّيَمِ، وكَرِيمُ الصِّفَاتِ، من أَسمَى مَا دَعَا إِلَيهِ الإِسلامُ، لقد تَمَيَّزَ هذا الدِّينُ بِمَنهَجٍ أَخلاقِيٍّ فَرِيدٍ لَم يَصِلْ إِلَيهِ نِظَامُ البَشَرِ أَبَدَاً.

أيُّها الإخوة الكرام: الأَخلاقُ الحَسَنَةُ عُنوَانُ مَجْدِ الأُمَّةِ، ورَمْزُ سَعَادَتِهَا، وتَاجُ كَرَامَتِهَا، وشِعَارُ عِزَّتِهَا وسِيَادَتِهَا، وسِرُّ نَصْرِهَا وقُوَّتِهَا؛ وسُوءُ الأَخلاقِ أَمَارَةٌ على ضَعْفِ الإِيمَانِ، وإذا أُصِيبَ الفَردُ أو المُجتَمَعُ في أَخلاقِهِ، فَقُلْ: عَلَيهِ السَّلامُ.

أيُّها الإخوة الكرام: من عِظَمِ مَكَانَةِ الأَخلاقِ في الإِسلامِ، أن حَصَرَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَهَمَّةَ بَعْثِهِ، وغَايَةَ دَعْوَتِهِ، بِكَلِمَةٍ عَظِيمَةٍ، جَامِعَةٍ مَانِعَةٍ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ» رواه الإمام أحمد والحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وفي رِوَايَةِ البيهقي قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخلاقِ».

ولقد كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المَثَلَ الأَعلَى، والنَّمُوذَجَ الأَسمَى، للأَخلاقِ الكَرِيمَةِ بِجَمِيعِ صُوَرِهَا وأَشكَالِهَا، حَتَّى أَثنَى عَلَيهِ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ بِقَولِهِ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾.

أَخلاقُ السَّيِّدَةِ العَظِيمَةِ الزَّهرَاءِ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَت أُمُّنَا السَّيِّدَةُ فَاطِمَةُ الزَّهرَاءُ رَضِيَ اللهُ عَنها، بِنتُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، زَوجَةُ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، أُمُّ أَبِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنها، أُمُّ الحَسَنَينِ رَضِيَ اللهُ عَنه وأَرضَاهَا، أَشبَهَ النَّاسِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

روى الترمذي عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنها قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَشْبَهَ سَمْتاً وَدَلَّاً وَهَدْياً بِرَسُولِ اللهِ فِي قِيَامِهَا وَقُعُودِهَا مِنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

قَالَتْ: وَكَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَامَ إِلَيْهَا فَقَبَّلَهَا وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا فَقَبَّلَتْهُ وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا، فَلَمَّا مَرِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَخَلَتْ فَاطِمَةُ فَأَكَبَّتْ عَلَيْهِ فَقَبَّلَتْهُ، ثُمَّ رَفَعَتْ رَأْسَهَا فَبَكَتْ، ثُمَّ أَكَبَّتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ رَفَعَتْ رَأْسَهَا فَضَحِكَتْ.

فَقُلْتُ: إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ مِنْ أَعْقَلِ نِسَائِنَا، فَإِذَا هِيَ مِن النِّسَاءِ.

فَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ لَهَا: أَرَأَيْتِ حِينَ أَكْبَبْتِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَرَفَعْتِ رَأْسَكِ فَبَكَيْتِ، ثُمَّ أَكْبَبْتِ عَلَيْهِ فَرَفَعْتِ رَأْسَكِ، فَضَحِكْتِ، مَا حَمَلَكِ عَلَى ذَلِكَ؟

قَالَتْ: إِنِّي إِذاً لَبَذِرَةٌ ـ البَذِرُ الذي يُفشِي السِّرَّ وَيُظهِرُ مَا يَسْمَعُهُ ـ أَخْبَرَنِي أَنَّهُ مَيِّتٌ مِنْ وَجَعِهِ هَذَا فَبَكَيْتُ، ثُمَّ أَخْبَرَنِي أَنِّي أَسْرَعُ أَهْلِهِ لُحُوقاً بِهِ، فَذَاكَ حِينَ ضَحِكْتُ.

أَصدَقُ النَّاسِ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد تَرَبَّتْ أُمُّنَا السَّيِّدَةُ فَاطِمَةُ في بَيتِ النُّبُوَّةِ على كَمَالِ الأَخلاقِ، فَكَانَتْ رَضِيَ اللهُ عَنها أَصدَقَ النَّاسِ بَعدَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

كَانَت رَضِيَ اللهُ عَنها لا يَجْرِي لِسَانُهَا بِغَيرِ الحَقِّ، ولا تَنطِقُ إلا بالصِّدْقِ، ولا تَذْكُرُ أَحَدَاً بِسُوءٍ، فلا غِيبَةٌ ولا نَمِيمَةٌ، ولا هَمْزٌ ولا لَمْزٌ، تَحْفَظُ السِّرَّ، وتَفِي بالوَعْدِ، وتَصْدُقُ النُّصْحَ، وتَقْبَلُ العُذْرَ، وتَتَجَاوَزُ عن الإِسَاءَةِ، صَادِقَةً في قَولِهَا، صَادِقَةً في أَفعَالِهَا، صَادِقَةً في أَحوَالِهَا، صَادِقَةً في وَفَائِهَا.

كَيفَ لا يَكُونُ هذا وَصْفَهَا، وأَبُوهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي عَرَفَتْهُ قُرَيشٌ بِأَنَّهُ الصَّادِقُ الأَمِينُ قَبلَ الرِّسَالَةِ؟ روى الإمام البخاري عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾. صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّفَا فَجَعَلَ يُنَادِي: «يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ». لِبُطُونِ قُرَيْشٍ، حَتَّى اجْتَمَعُوا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولاً لِيَنْظُرَ مَا هُوَ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ فَقَالَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلاً بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟».

قَالُوا: نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقاً.

كَيفَ لا يَكُونُ هذا وَصْفَهَا، وأَبُوهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي قَالَ عَن ذَاتِهِ الشَّرِيفَةِ، وهوَ يُشِيرُ إلى لِسَانِهِ: «فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا خَرَجَ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ»؟ رواه الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

أيُّها الإخوة الكرام: كَيفَ لا تَكُونُ أُمُّنَا السَّيِّدَةُ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللهُ عَنها أَصدَقَ النَّاسِ بَعدَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وهيَ التي سَمِعَتْ من أَبِيهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَولَهُ: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ، وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ، حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقاً»؟ رواه الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وروى أبو يعلى عن عَمرِو بنِ دِينَارٍ قَالَ: قَالَت عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنها: مَا رَأَيتُ أَحَدَاً قَطُّ أَصْدَقَ من فَاطِمَةَ غَيرَ أَبِيهَا، وَكَانَ بَينَهُمَا شَيءٌ فَقَالَت: يَا رَسُولَ اللهِ، سَلْهَا؛ فَإِنَّهَا لا تَكْذِبُ

وفي رِوَايَةِ الحَاكم عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها أَنَّهَا كَانَت إِذَا ذَكَرَت فَاطِمَةَ بِنتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَت: مَا رَأَيتُ أَحَدَاً كَانَ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنهَا إلا أن يَكُونَ الذي وَلَدَهَا.

السَّيِّدَةُ الزَّهرَاءُ مَضْرِبُ المَثَلِ:

أيُّها الإخوة الكرام: كَيفَ لا تَكُونُ كذلكَ أُمُّنَا السَّيِّدَةُ الجَلِيلَةُ فَاطِمَةُ الزَّهرَاءَ وهيَ التي ضَرَبَ بِهَا المَثَلَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

روى الإمام مسلم عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِن اللهِ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِن اللهِ شَيْئاً، يَا بَنِي عَبْدِ الْـمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِن اللهِ شَيْئاً، يَا عَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكَ مِن اللهِ شَيْئاً، يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِن اللهِ شَيْئاً، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ، سَلِينِي بِمَا شِئْتِ، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِن اللهِ شَيْئاً».

وكَانَتِ السَّيِّدَةُ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللهُ عَنها تَرقُبُ هذا المَوقِفَ، وهيَ بِنتُ الثَّامِنَةِ من عُمُرِهَا، فَهَروَلَت بِسُرعَةٍ إلى أُمِّهَا خَدِيجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها، وارتَمَتْ في أَحضَانِهَا رَضِيَ اللهُ عَنهُما، والدُّمُوعُ تَمْلَاُ عَينَيهَا من الفَرحَةِ، وكَأَنَّ الدُّنيَا لا تَسَعُهَا من فَرْطِ سُرُورِهَا، فَقَد سَاوَى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَينَهَا وهي الصَّبِيَّةِ الصَّغِيرَةِ، وبَينَ عَمِّهِ العَبَّاسِ وعَمَّتِهِ صَفِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، وهُمَا مَن هُمَا في قُرَيشٍ، وهيَ مَن هيَ رَضِيَ اللهُ عَنها؟

أيُّها الإخوة الكرام: لقد سَارَتْ هذهِ السَّيِّدَةُ الجَلِيلَةُ بِجِرْمِهَا الصَّغِيرِ ـ هَيكَلِهَا وجِسْمِهَا الصَّغِيرِ ـ اللَّطِيفِ، مَرفُوعَةَ الهَامَةِ، مُشْرِقَةَ الأَسَارِيرِ، وكَأَنَّمَا ازدَهَاهَا أن يَختَارَهَا أَبُوهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من بَينِ أَخَوَاتِهَا جَمِيعَاً، بَل من أَهلِ بَيتِهِ الخَاصِّ، لِيُؤَكِّدَ للبَشَرِ أَنَّهُ لا يُغنِي من اللهِ شَيئَاً عن أَعَزِّ النَّاسِ وأَحَبِّهِم إِلَيهِ، وأَدنَاهُم مِنهُ.

من هذا المُنطَلَقِ كَانَتْ أَصْدَقَ النَّاسِ بَعدَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَولاً وعَمَلاً وحَالاً، لقد تَشَرَّفَتْ بالنَّسَبِ، وشَرَّفَتْ آلَ البَيتِ جَمِيعَاً بالنَّسَبِ بَعدَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وعَمِلَتْ بِجِدٍّ للآخِرَةِ، فَكَانَتْ من طُلَّابِ الآخِرَةِ لا من طُلَّابِ الدُّنيَا.

وكَيفَ لا يَكُونُ هذا حَالَهَا، وَزَوجُهَا رَضِيَ اللهُ عَنها سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ هوَ القَائِلُ: ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً، وَارْتَحَلَتِ الْآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ، وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ، وَغَداً حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ. رواه الإمام البخاري.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: هذهِ هيَ سَيِّدَةُ آلِ البَيتِ رَضِيَ اللهُ عَنها وعَنهُم، كَانَتْ حَرِيصَةً كُلَّ الحِرْصِ على أن تَكُونَ من طُلَّابِ الآخِرَةِ، كَانَتْ حَرِيصَةً كُلَّ الحِرْصِ على اكتِسَابِ الصِّفَاتِ الحَمِيدَةِ، والأَخلاقِ الكَرِيمَةِ، من أَبِيهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لقد كَانَتْ حَرِيصَةً كُلَّ الحِرْصِ على أن تَكُونَ قَرِيبَةً من أَبِيهَا سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الآخِرَةِ، كَمَا كَانَتْ قَرِيبَةً مِنهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الدُّنيَا، وهَل يَستَطِيعُ أَحَدٌ أن يَكُونَ قَرِيبَاً من سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلا بالأَخلاقِ الفَاضِلَةِ الحَمِيدَةِ، والتي على رَأسِهَا خُلُقُ الصِّدْقِ؟

أَينَ نَحنُ من هذهِ الأَخلاقِ؟ وأَينَ أَبنَاؤُنَا وبَنَاتُنَا من هذهِ الأَخلاقِ؟ وأَينَ نِسَاؤُنَا من هذهِ الأَخلاقِ؟ وأَينَ الأُمَّةُ بِقَضِّهَا وقَضِيضِهَا من هذهِ الأَخلاقِ، وخَاصَّةً خُلُقَ الصِّدْقِ، والاعتِمَادَ على العَمَلِ لا على النَّسَبِ؟

اللَّهُمَّ وَفِّقنَا لأنْ نَسِيرَ سَيْرَ آلِ البَيتِ الكِرَامِ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 30/ربيع الثاني/1435هـ، الموافق: 19/شباط/ 2015م